الجوع يهدد السوريين بعد البيان الحكومي
جوليا العبد (دمشق)
ترافق البيان الحكومي الذي أدلى به رئيس الحكومة تحت قبة البرلمان أثناء جلسة مجلس الشعب الأولى من الدورة العادية الأولى للدور التشريعي الثالث، مع انتشار أزمة الطوابير في الشارع السوري، وتعطل العديد من المشاغل التي يعتمد عليها السوريون في تأمين لقمة العيش، ورغم مثالية البيان والخطط المطروحة ضمنه، إلا أن مؤشرات الوضع الاقتصادي على أرض الواقع لم تكن ذات تأثير إيجابي، مما دفع الكثير من المواطنين للتكلم بصوت مرتفع حول دور مجلس الشعب بوصفه السلطة التشريعية والمسؤولة عن مساءلة الحكومة حول الخطوات الفعالة التي سيقدمها للتحسين من الواقع المعيشي الذي وصل إلى الحضيض، وليس فقط التصفيق للشعارات.
من جهة أخرى اعترت المفاجأة السوريون إزاء انخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار مباشرة بعد طرح الكثير من الخطط الاقتصادية والتنموية، فقد وصل سعر الدولار في سوق دمشق السوداء ما يقارب 2285، بعد أن كان مستقراً بقيمة أقل خلال الأسابيع الماضية، بينما بقي على حاله في نشرة البنك المركزي 1256.
يعمل المواطن السوري بمعدل أجر يتراوح بين 50000 ليرة و100000 ليرة شهرياً، بينما أكدت تقارير اقتصادية عديدة أن العائلة المتوسطة المؤلفة من أربعة أشخاص بحاجة إلى أكثر من 400 ألف ليرة مصروف شهري، وهذا الرقم يستثني الحالات الصحية أو وجود إيجار منزل، ولهذا لا ينتظر السوريون الزيادة في الأجور التي وعد بها رئيس الحكومة، بل إن مثل هذا الخبر حتى لو لم يكن مؤكداً كافياً لإصابتهم بالهلع، لأنه كفيل بارتفاع الأسعار كما يحصل مع كل زيادة، فبعد أن نشرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نشرة أسعار الخضار والمواد الغذائية المعدلة، ارتفعت قيمتها في السوق مع حجج البائعين والتجار بصعوبة تأمين وقود النقل وارتفاع ثمنه، وتتباين أسعار الخضار من سوق إلى آخر، حسب المسافة من سوق الهال إلى البائعين، وتزيد حوالي 30% عن السعر الرسمي، بينما تعتبر الفواكه اليوم بالنسبة للسوريين رفاهية تم الاستغناء عنها، فالتفاح الموجود في الأسواق بأنواع كثيرة مثلاً يتراوح سعر الكيلو منه بين 1300 و1800، أما الموز والمتوفر بشكل كبير على العربات في شوارع وأسواق دمشق فلا يوجد من يقترب منه؛ لأن سعر الكيلو يبدأ ب6000 ليرة سورية، ناهيك عن تسعير كيلو الفروج الحي ب 3500 ليرة، والمقطع يبدأ ب 8000 ليرة تقريباً، وهو لم يعد بديلاً عن اللحم الذي نسيته عائلات بأكملها بعد أن تجاوز سعر الكيلو منه 20000 ليرة.
تشهد الأسواق السورية وفرة في المواد الغذائية المحلية والمستوردة، وقد تحدث لنا أبو علاء صاحب أحد المحالات التجارية الكبيرة في دمشق قائلاً لا شيء مفقود سوى العملة والكرامة، فعدم توفر مدخول لائق ومناسب لجهد المواطنين ومصروف حياتهم اليومية هو ما يمنع عنهم التمتع بخيرات بلادهم، وهو ما يجعل القدرة الشرائية معدومة لدى المواطن، بينما تسخر منال وهي موظفة حكومية وتقول كل شخص يضع الحق على الآخر وكأننا في دائرة مفرغة، لا أعرف من السبب في الغلاء هل هو طمع التاجر أم فساد الحكومة أم أنه فعلاً قانون قيصر، المهم أننا أجبرنا على أن نكون نباتيين، واليوم حتى هذا الأمر لم يعد ممكنا، ونحن نشد الحزام منتظرين الفرج، وربما معجزة من عند الله.
يعبر الكثير من المواطنين السوريين عن غضبهم على مواقع التواصل الاجتماعي تجاه كل القرارات التي تصدر من الحكومة، والتي يعتبرها المسؤولون قرارات تساعد في حل الأزمة المعيشية، بينما يشعر المواطن بانعدام الثقة في كل تصريح وقرار صادر عن مسؤول في الحكومة، وهذا ما تثبته تصريحات وزارة النفط المتناقضة، فبعد أن وعدت بحل أزمة البنزين خلال أيام معدودة هاهي اليوم تعود لتخبرنا بأن أعمال صيانة مصفاة بانياس بحاجة إلى ما يقارب الشهر للانتهاء.
وفي السياق عبر الممثل غسان مسعود عن عدم قبوله لأي شعار يصدر من أي شخص لديه مال تحت البلاطة كما وصفه، وقال المسؤول هو من يجب أن يجد الحلول، أنا مواطن، فلا تطالبني بإيجاد حلول، وإذا لم يكن لديك حلول، فاجلس في المنزل وانزل عن الكرسي واعطه لغيرك.
تباينت ردود فعل أعضاء مجلس الشعب حول البيان الوزاري الطنان، إذ اعتبره البعض بياناً إنشائياً، ولا يقدم حلولاً عملية سريعة لما يواجهه المواطنون من أزمات، وقد وصفه أحد الأعضاء ببيان يصلح لسويسرا وليس لسورية في ظل الراتب الممنوح للمواطن الذي لا يكفيه ثلاثة أيام، بينما اعتبره البعض الآخر بياناً شاملاً وطموحاً، وقد علق محللون اقتصاديون أن هذه الوعود مجرد تخدير للشعب وفقاعات إعلامية.