فقط في سوريا: ملف فساد المسؤول يوازي ترقيته
جوليا العبد (دمشق)
نشرت صفحة “اللاذقية من قلب الحدث” منشوراً يروي حادثة جرت أثناء جولة الرئيس بشار الأسد مع محافظ مدينة اللاذقية، في المناطق التي طالتها الحرائق الأخيرة، حيث تحدثت الصفحة عن مواطن تدخل أثناء إجابة المحافظ على الأسئلة التي وجهت له وذلك بقوله: “سيدي هالكلام ما صحيح … لو كان حكيو صحيح كان ما وصلنا لهون، وبعدين ما شفناه أبداً”
ويبدو أن الحرائق والضرر اللذان حصلا في منطقة الساحل جعلا من أصوات الناس ضد الفساد عالياً، فما شهده أهالي الريف والمدن الساحلية من ألسنة النار المرتفعة في أراضيهم جعل ألسنتهم تنطلق من أفواههم، متحدثين عن سنوات طويلة من القهر والذل الذي طال معيشتهم وكراماتهم، والحادثة التي ذكرت في منشور عابر على إحدى الصفحات وتفاعل المتضررين المباشرين معها، سواء كانت حقيقة أم مختلقة، فهي تعبر بشكل أو بآخر عن لسان حال المواطن، كما وصفها أحد الباحثيين الاجتماعيين الذي فضل عدم ذكر اسمه، والذي يكمل في هذا الموضوع فيقول: إن تراكم الظلم سيكسر حاجز الخوف عاجلاً أم آجلاً، خاصةً بعد ما بذل سكان الريف الغالي والرخيص دفاعاً عن عقيدة اعتقدوا أنها تحميهم فيما سبق، لتأتي الحرائق وتفجر الغضب في وجه السلطة، وربما تكون المواجهة الكلامية هي بداية لانطلاق وعي حول كونهم مجرد أداة تستخدمها أطراف السلطة فيما بينها، لتثبت حضورها وربما لتنتقم.
وجاءت التعليقات في غالبها على المنشور السابق من أهالي محافظة اللاذقية التي تشيد بجرأة وشجاعة الرجل، كما علق البعض أنه بغض النظر عن صدق أو زيف الحادثة يجب على الرئيس الذي شهد بأم عينه واعترف بقلة الإمكانيات الموجودة لمواجهة هذه الكارثة أن يحاسب المسؤولين الذين لم يؤدوا أدوارهم بشكل لائق، وساهموا بشكل أو بآخر في جعل المأساة أكبر، خاصةً وأنه اطلع على مشاكل العديد من المزارعين قبل وبعد الحرائق، وأن زمن الوعود والشعارات قد ولى والناس بحاجة لحلول سريعة، والوعود بالدعم المادي، ما هي إلا عملية إسكات، الأمر الذي وصفه لنا أحد مواطني مدينة اللاذقية بعبارة “طعمي التم بتستحي العين”.
وجاء خلال التعليقات آراء تحذر من عقوبات محتملة قد تطال الرجل الذي وصفوه بـ “الشجاع” نتيجة هذه الجرأة، فقد تخوف الكثيرون من أن اليد الأمنية المتعاونة مع المحافظ إبراهيم خضر السالم قد لا تدعه ينام في منزله، بل تجرأ البعض على التعليق أن نصيب المحافظ بعد هذه الحادثة قد يكون الترفيع والمكافأة، بينما نصيب “الرجل الشجاع” السجن والاعتقال انتقاماً من صراحته.
فجر المنشور سلسلة من الاتهامات طالت المحافظ الحالي، وجهها معظم سكان المحافظة مدينة وريفاً، كما وصفوا أداءه من خلال التفاعل على المنشور بالاستهتار بمشاكل الناس وإهماله للعديد من المسائل التي تتعلق بالمحافظة وسكانها، وتجاوزه للقانون في الكثير من القضايا على رأسها الأمور الخدمية وتجارة العقارات وملف التوظيف في مؤسسات الدولة، وهم ينتظرون ويتأملون من السلطة إقالته وإحالته للتحقيق.
ويتحدث أبو علي عن هذا الأمر فيقول: طلال برازي الذي سبق وكان محافظ حمص وخرجت المظاهرات من الموالين للنظام وطالبت بإسقاطه عام 2014، أصبح اليوم وزيراً للتجارة الداخلية ومتحكما بلقمة الشعب السوري، وعلى الرغم من تأكد القيادة من تجاوز السالم للقانون في عدة ملفات، إلا أن مصيره لن يقل عن مصير البرازي وغيره من الفاسدين، وهو الذي تجمعه علاقات قوية مع أفرع الأمن كونه سليل المناصب في هذه الأفرع، والقوات الروسية في قاعدة حميميم العسكرية المتمركزة في اللاذقية.
أثبتت التجربة السلطوية في سوريا أن مطالب وحقوق الشعب ليست محط تنفيذ، بل على العكس تماماً، فالعديد من المسؤولين الذين ثبت فسادهم تم ترفيعهم وترقيتهم، فعماد خميس وقد انتقده المواطنون وجعلوا منه مادة للسخرية والشتيمة على مواقع التواصل الاجتماعي عندما كان وزيراً للكهرباء، تسلم رئاسة مجلس الوزراء، وهو ليس المثال الأول ولا الأخير، فقد استلم ناجي العطري رئاسة مجلس الوزراء السوري لمدة لا تقل عن ثمانية أعوام وهو صاحب ملف كبير من التجاوزات والفساد منذ ترأسه مجلس مدينة حلب في الثمانينيات، ويناظره في هذا الأمر محمد مصطفى ميرو، وغيرهم الكثير، وهذا ما يؤكد أن ملفات الفساد هي طريق للترقية وليست المحاسبة، وعلى هذا يتساءل الناس حول الموقع الذي سيناله إبراهيم خضر السالم، وهل سيحتاج لقضايا فساد أكثر من قضية الحرائق، ليكتمل ملف ولائه للقيادة، وبالتالي ينال الترقية المناسبة.