تشكيل سياسي سوري يسعى لجمع قوى “الاعتدال”
ملفات سوريا – نقلا عن صحيفة عكاظ
على مدى ثلاثة أيام جرت مناقشات سورية – سورية خلال الفترة من 25-28 أغسطس الماضي في العاصمة اليونانية أثينا بعيداً عن عدسات الإعلام، اتسمت الجلسات بالوضوح والجدية حول مسار الأزمة السورية على المستوى الداخلي والخارجي، خصوصاً بعد المقاربة التركية الجديدة بالدعوة إلى مصالحة بين المعارضة والنظام.
الحديث عن المقاربة التركية أخذ حيزاً واسعاً من النقاشات في الجلسة الحادية عشرة من نقاشات «مجلس المدونة السورية» الذي يضم شخصيات وطنية من الداخل والخارج.
النقاشات اتجهت بواقعية سياسية حول كيفية الاستفادة من الموقف التركي لتخفيف حضور الصقور من المعارضة التي ما زالت عند خطابها القديم بإزاحة الأسد، فيما طلبت شخصيات من الداخل جاءت من قلب النظام إلى أثينا للمشاركة في اجتماع المدونة السورية بفهم أعمق للموقف التركي، وإمكانية أن تسهم أنقرة في عملية الحل السياسي وإقناع المعارضة بالتوجه إلى مصالحة مع نظام الأسد.
السؤال الأكبر في لقاء أثينا هو: كيف يمكن لتركيا أن تحجّم التنظيمات المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام وغيرها التي تعرقل الحل السياسي؟ وكيف يمكن التمهيد لحوار سوري واسع يطوي صفحة الحرب على قاعدة لا غالب ولا مغلوب؟
اللافت في هذا الحوار المغاير هو غياب المشاحنات والأصوات العالية، إذ جلست نحو 20 شخصية على طاولة مستطيلة يرأسها منسق الحوار الخبير الدستوري الدكتور ناصيف نعيم المؤسس مع بعض شخصيات المجموعة السورية مشروع مدونة السلوك السوري. وطرح المشاركون كل المحظورات السياسية على الطاولة بكل وضوح دون تربص أفكار واصطياد مذهبي أو طائفي! في اجتماع أثينا لم تكن الأسماء معدة مسبقاً على طاولة اللقاء، فالكراسي متحركة وغير معدة لتكون كانتونات أو محاصصات ثابتة، ولم يتم تقسيم الحضور من الداخل والخارج إلى قسمين متقابلين في رسالة سياسية تمثل أحد مبادئ مجلس المدونة وهو الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأن سورية لجميع السوريين، أي أن فكرة التقسيم والمحاصصة لم تكن حاضرة في هذا المكان، فالكل يعبّر عن نفسه ولم يخلُ الأمر من تحفظات لكنها لم تبلغ مستوى الصراع.
ما هو مصير بشار ؟
يغيب الحديث عن مصير بشار الأسد تماماً، وأحياناً يتم الحوار تحت سقف بقاء الحال على ما هو عليه؛ فعبارة الواقعية السياسية المطاطة تغلب في كل الحوارات؛ ذلك أن المجتمع الدولي أصلاً ليس لديه تصور واضح لمصير الأسد، وبالتالي فإن الخوض في مثل هذه المغامرة التي جربتها المعارضة لن يفضي إلى حل سياسي، إذن لا بد من التفكير داخل الصندوق مع هوامش بسيطة خارج الصندوق وهذا ما يميز مدونة السلوك التي ترى بضرورة حوار طويل الأمد تكون فيه المدونة لاعباً رئيسياً على اعتبار أنها تشكل حالة من التنوع السوري يغلب عليه الطابع العلوي والعشائري بالدرجة الأولى، وهنا يمكن طرح سؤال: هل تذهب المدونة في عملها على قاعدة التحالف بين العشائر والطائفة العلوية ذات النفوذ الواسع في السلطة لتحجيم سيطرة السلطة السياسية وخلق قواعد توازن سياسية واجتماعية سورية جديدة؟! كيف الخروج من مأزق الحرب؟ تشكل الحالة العلوية والعشائرية نصف توليفة المدونة تقريباً؛ ويبدو الانسجام واضحاً في هذه الثنائية؛ يرافقها بعض القلق بين الأطراف الأخرى يذوب إلى حد كبير في اللقاءات الجانبية في كل اجتماع، إذ غالباً ما تتبلور الأفكار حول سورية الجديدة وكيفية الخروج من مأزق الحرب والانقسام في الحوارات الجانبية التي تنقلها الأطراف إلى مرجعياتها أو أوساطها الاجتماعية.
يطرح «مجلس مدونة السلوك السوري» في نسخته الأخيرة في أثينا بعد نحو 11 اجتماعاً منذ توقيع وثيقة تأسيس المجلس بكل حماسة وقوة فكرة الجسر إلى العالم العربي باعتبار العمق العربي هو الأساس لسورية بعد أن ضمنت الغطاء الأوروبي. وتطرح المدونة فكرة -قيد النقاش- للتوجه إلى تركيا باعتبارها دولة حاضرة وبقوة في المشهد السوري بكل أبعاده لكن حتى الآن لم تبن المدونة هذه الجسور التي تشكل رافعة مستقبلية لعمل المدونة، إلا أن البعد العربي والخليجي على وجه التحديد أصبح جزءاً من استراتيجية المجلس في الاجتماعات القادمة.
ولا يغيب عن كل أعضاء المدونة أهمية الاستقلالية السياسية على مستوى التأثير الدولي والإقليمي حتى لا تكرر تجربة المعارضات السورية الأخرى، إذ طالما يثير هذا الأمر حساسية بالغة داخل النقاشات العلنية، فكل الحوارات تنصب على رقعة سورية دون الاهتمام بإرضاء الدول، وفي الوقت نفسه دون نسف مصالح هذه الدول وأجندتها، وهذا الخطاب جديد من نوعه بين أوساط المعارضات الأخرى.
والطرح الآخر والجديد في المدونة هو أن تلعب «المدونة» دور الوسيط على المدى الطويل في ظل التناقضات السورية؛ حيث يستند المؤسسون والموقعون على وثيقة المدونة إلى تاريخهم الخالي من الدم والصراعات والعمل ضمن تنظيمات ذات طابع مسلح، إذ ترتبط كل شخصية من المدونة بمستوى تأثير اجتماعي لا يستهان به وبالتالي فإن مجموع هذه التأثيرات الاجتماعية والجغرافية يمكن أن يتحول إلى حالة من التأثير الإيجابي في سورية.
6 سنوات من مسيرة «السلحفاة»
بعد 6 سنوات من العمل الذي يوصف بمسيرة «السلحفاة» طويل الأمد، لكنه يحظى برضا كل الأطراف والقائمين على هذه المبادرة وفي مقدمتهم مدير الجلسات الخبير في الشؤون الدستورية الدكتور ناصيف نعيم، كما يتسم هذا المسار بالتوازن والتأثير المتدرج حيث تتوسع قاعدة المشاركين على كل الأسس السورية الدينية والمذهبية والعرفية والفكرية، ما جعل هذا التجمع السوري المتجانس يحظى بمستوى أوروبي رفيع. وقالت مصادر مطلعة لـ«عكاظ»: إن وزير خارجية اليونان الذي تحتضن بلاده هذا اللقاء اجتمع بأعضاء مدونة السلوك السوري، وكان مستمعاً أكثر من كونه متحدثا، لكنه أنهى الاجتماع بعبارتين: 1- أن بلاده تدعم هذا النوع من المبادرات التي يتفق عليها السوريون دون خصومات ونزاعات، منوهاً بالعلاقة التاريخية بين اليونان وسورية.
2- الأمر الآخر أنه سيكون ناقلاً لرسائل أعضاء المدونة إلى الاتحاد الأوروبي.
وبهذه الزيارة يظهر واضحاً حجم الاهتمام الأوروبي بهذه المبادرة، ولكن هذه الزيارة في الوقت ذاته ترتب مسؤوليات من نوع آخر وتخلق تحديات كبيرة على أعضاء المدونة ليكونوا على هذا القدر من المسؤولية لإحداث تغيير في نمط تفكير المعارضة.
جسر عابر للخلافات
من جهته، قال أحد وجهاء قبيلة شمر عوينان الجربا لـ«عكاظ»: لقد حان الوقت للوصول إلى قناعة راسخة وحقيقية بأنه ينبغي على الشعب السوري بكامل طوائفه ومكوناته أن يدرك أن الحل الوحيد لما وصلنا إليه هو الجلوس على طاولة مستديرة واحدة تستوعب كل أطياف النسيج السوري من أجل الحفاظ على وحدة الأرضي السورية.
واعتبر أن مجلس المدونة يقدم نموذجاً ناجحاً لما نحلم به جميعاً، حيث استطاع أعضاء هذا المجلس أن يتخطوا الفرقة والتنافر على الساحة السورية التي يجب أن نعترف بها وبوجودها على قاعدة نحن أولاً وأخيراً سوريون ومصلحة السوريين فوق أي اعتبار.
ولفت الجربا إلى أن التحديات كبيرة ومعقدة وفاعلين كثيرين لديهم مصالح متناقضة والأزمة السورية أصبحت عبئا على المجتمع الداخلي والإقليمي والدولي، والجميع وصل إلى مرحلة التسليم بضرورة الحل السلمي، والدول جميعها تنشط في هذا الاتجاه. وأوضح أن جوهر المبادرة يقوم على إحلال السلم الأهلي بين مكونات المجتمع السوري والمجلس يضم جميع هذه المكونات وبالتالي أي سعي أو جهد أو نداء ومبادرات من هذا المجلس فستجد لها صدى وقبولاً لدى غالبية مكونات المجتمع السوري، والوصول الى حل سلمي يحتاج إلى جسم يضم مختلف الشرائح السورية.
فهل سيكون «مجلس المدونة» الجسر العابر للخلافات السورية؛ وحصان طروادة لإيجاد ضوء في نهاية النفق السوري؛ ويحظى بقبول الدول الإقليمية المعنية بالشأن السوري بعد أن تمكنوا من إقناع الأوروبيين برؤيتهم الناعمة للحل؟ وربما الأكثر أهمية: هل يمكن أن تجد هذه المدونة صدى في دمشق، لاسيما أن طيفاً كبيراً من الداخل السوري يشارك في هذه الاجتماعات، خصوصاً وأنها تدعو علانية إلى دور عربي؟