كيف حول الأسد المساعدات الأممية إلى “سلاح تجويع”؟
ملفات سوريا (فريق التحرير)
تتكرر في كل عام المعركة الدبلوماسية في مجلس الأمن الدولي حول قرار تمديد المساعدات العابرة للحدود، حيث تطالب الدول المانحة باستمرار تدفق المساعدات من المعابر مع تركيا والأردن والعراق، بينما تصر روسيا على أن تمر هذه المساعدات من دمشق حصرا، وآخر المستجدات في هذه القضية التصريحات الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حيث قدم تقريرا “سريا” لمجلس الأمن الدولي قال فيه إن المساعدات الإنسانية عبر الحدود لشمال غربي سوريا من دون موافقة دمشق ما زالت ضرورية، وأضاف “في هذه المرحلة، لم تبلغ القوافل عبر خطوط الجبهة وحتى المنتشرة بشكل منتظم، مستوى المساعدة الذي حققته العملية العابرة للحدود” عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا.
وأشار غوتيريش في التقرير إلى مشروع للأمم المتحدة لعمليات إنسانية عبر خطوط الجبهة للوصول إلى إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وتتعرض لعمليات قصف من النظام وروسيا، ووفق التقرير “يحتاج نحو 4,5 ملايين شخص في سوريا إلى مساعدة هذا الشتاء، بزيادة 12 بالمئة عن العام السابق” بسبب الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا، مشيرا إلى أن 2,9 في المئة فقط من السوريين حصلوا على اللقاحات الكاملة.
استغلال المساعدات
في السياق أصدرت الرابطة السورية لكرامة المواطن، تقريرا عن استغلال حكومة دمشق للمساعدات الإنسانية، وجاء في التقرير الذي يحمل عنوان “كيف يحول النظام السوري المساعدات الإنسانية إلى سلاح”، جاء فيه “لقد تمَّ في السنوات العشرة الأخيرة بدقة متناهية توثيق تحويل النظام للمساعدات الإنسانية التي يعتمد عليها غالبية الشعب السوري إلى سلاح حقيقي، حيث تمَّ على مستوًى دوْليٍ تقديم فائض من الأدلة على أن نظام الأسد قام بشكلٍ متعمَّد بتجويع المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبابتزاز منظمات الأمم المتحدة للاستيلاء على المساعدات الإنسانية وتحويلها لصالح القوات العسكرية والميليشيات، كما استعملت قضية المساعدات الإنسانية لدعم استراتيجيته العسكرية، ودعم اقتصاد الحرب في مناطقه عن طريق الدعم والمساعدات الإنسانية المخصصة لتلك المناطق، بالإضافة إلى تكتيكات أخرى تضمَّنت استعمال المنظَّمات الإنسانية للدفع بأجندته”.
الدور الروسي في استخدام سياسة التجويع
يشير تقرير الرابطة إلى الانتهاكات الروسية ويركز على دورها في سياسة التجويع، موضحا أن روسيا “قامت بتطبيق سياسة الأرض المحروقة ضد المناطق المدنية بالتزامن مع سياسة التجويع الممنهجة ضد هذه المناطق المحاصرة؛ ليتم بعدها عرض المساعدات الإنسانية وفك الحصار مقابل خضوع هذه المناطق لسيطرة النظام وقبولها باتفاقيات المصالحة”، كما ينقل عن المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جيمس جيفري قوله “الأمثلة على التلاعب بالمساعدات الإنسانية كعنصر أساسي في إجراءات المصالحة كثيرة، والوعود بتقديم مساعدات إنسانية كانت أبعادًا ضمنية وكثيرًا ما كانت صريحة لاتفاقيات المصالحة المحلية في وسط وجنوب سوريا فعليا، عادة ما تصل قوافل مساعدات الأمم المتحدة بعد أسابيع أو أيام مباشرة بعد توقيع شروط المصالحات، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: داريا، التل في الغوطة الشرقية، وحالات في ريف حمص الشمالي، فعلى سبيل المثال: خلال لقاءات في الأيام الأخيرة العصيبة لحصار داريا صرح أعضاء من المجلس المحليِّ لداريّا أن موظفين من الأمم المتحدة شرحوا لهم أن قوافل مساعدات الأمم المتحدة مرتبطة باتفاقية المصالحة التي تنص على استسلام الفصائل المحلية المسلحة، إنَّ صانعو القرار في نيويورك وواشنطن وبرلين وعواصم أخرى يدركون تماما هذه الحقيقة”.
ويضيف تقرير الرابطة أن “هذه الحقيقة الصارخة والطبيعة القاسية والطريقة الخانقة لسياسة النظام السوري في إيصال المساعدات الإنسانية هي قضية مركزية في النقاشات في مجلس الأمن حول إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى ملايين النازحين السوريين في شمال سوريا، وكان آخرها في شهر تموز 2020م حيث قامت روسيا باستعمال حق النقض الفيتو لخطف قرار المجلس وإجباره بشكلٍ منهجيٍّ على تقليص عدد المعابر الحدوديّة التي يتم من خلالها إيصال المساعدات الإنسانية لحوالي أربعة ملايين سوريٍّ مكتظين في محافظة إدلب، وتصِرُّ روسيا على أنْ يتمَّ تسليم المساعدات الإنسانية عن طريق دمشق لتمنحَ النظام السوريَّ السيطرة الكاملة على تدفق المساعدات الإنسانية بهدف إجبار آخر منطقة تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا على الخضوع والاستسلام، بينما يزيد النظام من أرباحه من خلال الفساد المرتبط بعملية توزيع المساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها”.
يذكر أنّ مجلس الأمن الدولي اعتمد، في شهر تموز الماضي، قراراً بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سوريا لمدة عام من معبر “باب الهوى” على الحدود التركية، وأعربت حكومة دمشق – حينذاك – عن رفضها قرار التمديد، كما رفضت “الإدارة الذاتية” القرار أيضاً، معتبرة أنه “قرار سياسي”.
وفي أيلول الماضي، حذر منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيثس، من أن سوريا بعد أكثر من عقد من الحرب “ما تزال عالقة في دوامة من التدهور السريع، وستظل مكاناً للبائسين، طالما استمر الصراع”، مشيراً إلى أن “الواقع أشد وطأة مما تصفه الأرقام”.