مثقف برتبة محرض طائفي
السؤال الدائم والمتكرر دون ملل بين السوريين أينما كانوا؛ هو لماذا وصلنا إلى هذا الحال من تمزق وتشرذم وغياب الوجدانية لدى البعض، لماذا وصلنا إلى حالة الشك وفقدان الثقة فيما بيننا وسادت الكراهية أغلب مشاعرنا؛ هذا السؤال على الرغم من بساطته وطابعه الشعبي إلا أن الإجابة عليه ربما تعيدنا إلى المسار الصحيح أو في أضعف الإيمان تقويم المسار، فضلا عن أن المجتمع السوري الآن أحوج ما يكون إلى حالة التوازن، بسبب كل ما تعرض له من تشوهات منها مدروس وآخر نتج عن الصراعات المذهبية والسياسية والولائية.
لا شك أن حجم التصدعات التي وقعت على السوريين كبير وموجع بكل الأشكال، وأيضا لا ننسى أن الحرب في معظم الأحيان تخلق حالة من النفسية المتوحشة الرافضة لكل شيء والمشككة بكل من حولها، فيما يكون خطاب الكراهية الأكثر رواجا، ولعلنا رأينا خطابات الكراهية منذ بداية الثورة السورية حتى الآن بدءا من مقاطع “الشبيحة” إلى إذلال الجيش السوري للمتظاهرين، وإلى هذه اللحظة يستمر مسلسل الكراهية والوحشية بين السوريين وكأن هناك عملا ممنهجا لتفكيك هذا المجتمع، وإعادة صناعة كانتونات نفسية متباعدة غير قابلة للاندماج الوطني والاجتماعي.
يجمع معظم السوريين على سوء الطبقة السياسية السورية في الداخل والخارج، ويجمعون أيضا على أن هذه النخب السياسية – إن جاز التعبير- لا تبحث عن مصالح الشعب بقدر ما تبحث عن استمراريتها ومصلحتها، وبغض النظر إن كان هذا الحكم في محله أو فيه نوع من المبالغة والعمومية، إلا أننا لا يمكن أن نسقطه من عقول الكثير من السوريين.
على المستوى السياسي ليس في الأمر كارثة أو معضلة، ذلك أن السياسي في كل الأحوال يعمل وفق مبادئ في معظمها غير أخلاقية، لكن هذا لا يعني أيضا أن يكون السياسي بلا أخلاق وطنية وإنسانية واجتماعية، ومع هذا كله لا يمكن التعويل في سوريا على الطبقة السياسية المصطنعة من دول، باعتبار سوريا أصبحت ساحة كبيرة لأدوار الدول الخارجية التي تعمل من أجل مصالحها.
النخب الثقافية انفصلت عن الوسط السوري لفترة طويلة، والبعض منها أصبح يعمل وفقا لمبدأ “مايطلبه الجمهور”، على الرغم من أهمية دورهم الآن في أسوأ مرحلة تمر بها سوريا والمجتمع السوري منذ الاستقلال.
إن الطامة الكبرى التي يجب التركيز عليها كي لا تخدعنا، هي انحراف النخب الثقافية السورية إلى منزلقات الطائفية والحزبية والدينية، وتلبية هذه النخب لمتطلبات العامة من السوريين المتعطشين للشماتة والانتقام، هذه النخب انفصلت عن الوسط السوري لفترة طويلة، والبعض منها أصبح يعمل وفقا لمبدأ “مايطلبه الجمهور”، على الرغم من أهمية دورهم الآن في أسوأ مرحلة تمر بها سوريا والمجتمع السوري منذ الاستقلال.
وهنا السؤال من هي النخب التي مازالت تؤثر في توجيه وصناعة الرأي العام لدى الشعب السوري سواء في الداخل أو الخارج!؟
هذا السؤال تصعب الإجابة عليه، فبالكاد تجد توافقا على شخصية مثقفة تحظى باحترام السوريين! وهذا يشكل خطرا كبيرا على المجتمع السوري، فانفصال المثقف عن المجتمع ينتج مجتمعا مفككا غير منظم على المستوى الفكري والاجتماعي، لكل للأسف نحن نعيش هذه المرحلة الآن.
لقد كشفت أحداث حرائق الساحل السوري مؤخرا تدني مستوى بعض “النخب السورية”؛ إن جاز تسميتها بالنخب وهي على الأغلب تصنف ضمن قائمة النخب، حيث تجددت من جديد اللغة الطائفية وعبارات التشفي بالعلويين وما لحق بهم من أذى وخسائر في حرائق الساحل، ويحمل البعض قائمة من التبريرات الطويلة، متناسيا أثر هذا التحشيد الطائفي على الوعي السوري ومستقبل النسيج الاجتماعي.
كمية الكراهية والشعبوية والتحريض في خطاب وسائل التواصل الاجتماعي خلال أحداث حرائق الساحل، كانت مؤلمة وموجعة، بل كافية لحرق مجتمع بالكامل وليس لحرق غابات، في الوقت الذي تحتاج البلاد إلى إطفائيات إنسانية وسياسية وعسكرية.
وبشكل أو بآخر مثل هذه العبارات الطائفية ومفردات الشماتة التي نظن أنها تصنع مجتمعا متماسكا، فإنها على العكس تماما تشكل كانتونات كراهية مترامية الأطراف حتى خارج الجغرافية، إذ يصعب بعد ذلك إعادة الثقة إلى أبناء الوطن الواحد.