جوليا العبد (دمشق)
بعد إصدار وزارة المالية قراراً بالحجز الاحتياطي على إحدى المنشآت التي يمتلكها رجل الأعمال “محمد حمشو”، بات جلياً أنَّ خطوات حثيثة تجري داخل سوريا، لتعرية ماهر الأسد من أهم رجالات أعماله، وتحجيم دوره، بعد أن كان البديل المتوافق عليه داخل الطائفة العلوية خلفاً لبشار الأسد، والذي ظهر جلياً ذلك بعد إطلاق شعار “بشار للعيادة وماهر للقيادة”.
حيث تداولت صفحات ومواقع موالية قراراً صادر عن وزير المالية “كنان ياغي” بالحجز على معمل الحديد المملوك لـ”حمشو”، وذلك ضماناً لتسديد مبلغ 92 مليار ليرة لخزينة الدولة.
وأكدت مصادر مقربة من “حمشو” لـ “ملفات سوريا” أن حصة معمل الحديد المحجوز عليه كانت حصة الأسد من ممارسات التعفيش في غوطة دمشق تحت رعاية أمنية ومخابراتية.
ويرى محلل اقتصادي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية أن “هذه القرارات تأتي برعاية روسية، لا تهدف إلى تقويض الفساد كما تزعم الحكومة، بل هدفها الرئيسي بالإضافة لسد العجز في خزينة الدولة والهروب من الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه الحكومة السورية، كف يد رجال الأعمال الذين يحملون ولاءات لإيران، وبالتالي اقتصار حصة إيران على الاستثمارات الضئيلة التي كان آخرها افتتاح المركز التجاري “إيرانيان” على أرض المنطقة الحرة في دمشق.
الجدير بالذكر أن “حمشو” من أكبر الداعمين للحكومة السورية طوال فترة الحرب، وهو عضو في مجلس الشعب سابقاً، وانسحب من انتخابات المجلس الحالي لأسباب تتعلق بالكتل النيابية التي تنقسم اليوم بين كتلة تتبع لإيران وأخرى لروسيا كما يقول مصدر من اللجنة الإعلامية في مجلس الشعب.
ويأتي هذا القرار مكملاً للقرارات السابقة التي انتهجتها الحكومة السورية ضمن الحملة التي شنتها أسماء الأسد لتحصيل الأموال من رجال الأعمال الموالين لإيران، فقبل أموال حمشو كانت مؤسسات وأموال كل من رامي مخلوف وصائب النحاس وغيرهما، ولم يشفع لهم كل ما قدموه دعماً للنظام أثناء الحرب، أو قربهم من ماهر الأسد.
وباتت أسماء الأسد تظهر اليوم بمظهر الأم المتفانية التي تدعم عائلات جنود الجيش السوري، والفلاحين متضرري الحرائق بشكل شخصي، وبعد أن كان دورها مخفياً خلف ما يقوم به زوجها، فتحولت زوجة الأسد اليوم إلى قيادة حملات رئاسية رسمية بنفسها، عبر مؤسسات تابعة لها مباشرة مثل مؤسسة العرين والأمانة السورية للتنمية، ومكتبها الموجود في القصر الرئاسي الذي يضم عدداً من الضباط السوريين في الفيلق الخامس الذي يديره الروس.
إلى جانب كل ذلك تمكنت “السيدة الأولى” من خلع اللواء جميل الحسن مدير المخابرات الجوية الذي رفض العرض الروسي الإسرائيلي لإخراج القوات الإيرانية حسب ما أوردت عدة تقارير إعلامية، وذلك تزامناً مع الضربات الإسرائيلية المنسقة مع مركز حميميم الروسي على مواقع تتواجد فيها القوات الإيرانية داخل الأراضي السورية.
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ “ملفات سوريا” فإنَّ كلاً من إيران وتركيا تقفان اليوم بوجه التحالف الروسي الإسرائيلي في معركة سياسية هدفها السيطرة على الاقتصاد السوري، الذي يتعدى البضائع والمواد الغذائية لصالح المعادن الثقيلة والنفط والغاز، فأصبح التواجد الإسرائيلي قريب جداً عبر الوسيط الروسي الذي يدعم أسماء الأسد ويؤهلها لتكون واجهة المرحلة القادمة، وتضيف هذه المصادر أنه وبالرغم من الرأي الشعبي الذي ينتقد الموقف السلبي لروسيا من الأزمات الاقتصادية السورية، وحيازتها على أغلب المشاريع الاستثمارية فإن الدور العاطفي الذي تخلقه أسماء الأسد سيكون عاملاً مهماً في المرحلة القادمة.
هذا الأمر بات جلياً وخصوصاً بعد انتشار إحدى الصور الضخمة لأسماء الأسد، موضوعة على إحدى المباني في مدينة حمص، أثناء إحدى احتفالات مؤسسة العرين الخيرية التي تمولها لدعم جرحى وعائلات قتلى الجيش السوري، وهذا الأمر لم يأت عن عبث، بل هو ضمن خطة ترويجية لأسماء الأسد، داخل العمق العلوي في مدينة حمص، والمعروفة بولائها الكامل لحكم آل الأسد في سوريا.
إلى جانب أنَّ المجتمع الدولي لم يعد منذ زمن طويل يثق ببشار الأسد كشريك مستقبلي، أو كشخص مرغوب به بالاستمرار في حكم سوريا، فكانت أسماء الأسد، أحد الأسماء المطروحة على الطاولة، وخصوصاً أنها تنتمي إلى الأكثرية السنية، وإلى جانب أنها بشكلٍ أو بآخر تنتمي لعائلة الأسد، ووجودها المستقبلي في حكم سوريا، هو استمرار للمصالح الإسرائيلية الروسية في سوريا والمرتبطة بشكل مباشر ببقاء العائلة في الحكم.
في المقابل لم تقف إيران مكتوفة الأيدي تجاه معاداتها بشكل واضح من قبل “سيدة الياسمين”، فهي اليوم تعزز وجوداً دينياً واسعاً من خلال الجمعيات الخيرية الباذخة في عطائها وتشكيل حسينيات ومجمعات تدعو للتشيع ولتعليم العقيدة الشيعية المنتشرة من مشرق سوريا حتى مغربها، وهي اليوم تعمل على كسب التعاطف الشعبي والاجتماعي لاستمرار مشروعها السياسي.
في ظل المعارك الباردة بين رجال إيران وروسيا فوق الأراضي السورية، حيث تعمل إيران على التمدد بين أطياف الشعب السوري عبر رجالاتها المتمركزة في السلطة تحت جناح الرئيس، كما تعمل روسيا على الاستحواذ التام على حقوق الشعب السوري في خيرات أراضيه تحت جناح زوجة الرئيس، لتحصد إسرائيل في النهاية الغنائم من هذا الصراع المستعر.