الجولاني يطلق سراح بريطاني “متآمر”.. وأمريكا تذكره بثمن رأسه
أحمد إبراهيم (إدلب)
جاء إفراج هيئة “تحرير الشام” عن مؤسس منظمة “تطورات حية من سوريا” توقير شريف المكنى بـ “أبو حسام البريطاني” مساء أمس (الأربعاء)، بعد مضي ثلاثة أشهر قضاها في سجونها، ليطرح العديد من إشارات الاستفهام حول توقيت الإعلان وتقاطعه مع خروج توقير شريف من سجون الهيئة، وكذلك تأثيره على السياسة العامة لتحرير الشام، وتوجهها العام نحو تسويق نفسها دوليا.
وعلى الرغم من أنَّ هذه الاتهامات الموجهة لـ “شريف” والتي وصفها مقربون منه بـ “الكيدية”، إلا أنَّ المثير للاهتمام أنَّ توقيتها تزامن مع إعلان الولايات المتحدة مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن القائد العام لهيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني.
– أسباب بعيدة
جاء إطلاق سراح “أبو حسام” بحسب مصدر مقرب منه لـ “ملفات سوريا” بعد عدة مطالبات ومفاوضات من ذويه مع الجهاز الأمني لـ “تحرير الشام” وعرضهم لمبالغ مالية، بعد سجنه على خلفية مشادة كلامية بينه وبين أحد الأمنيين الذي قام بتعذيبه خلال فترة اعتقاله السابقة، بعد تعرفه عليه في رواق مبنى النيابة العامة في إدلب من خلال إصبعه المقطوعة.
وأشار المصدر إلى أن “أبو حسام” احتجز لدى الهيئة للمرة الأولى في 23 من حزيران (يونيو) الماضي، لاتهامه بسرقة الأموال التي تأتي لمؤسسة “Live Updates From Syria” التي يديرها في منطقة أطمه شمال إدلب، إلا أن السبب الحقيقي لاعتقاله يتعلق بتقديم الدعم لـ “تنسيقية الجهاد” التي شكلها القيادي المنشق عن الهيئة “أبو العبد أشداء” على جبهة بلدة الأتارب خلال المعارك الأخيرة، ما اعتبرته الهيئة تمكينا للمنشقين عنها.
ويعود السبب الأخر بحسب المصدر لعدم التعامل مع الهيئة وتقديم حصة لها من تمويل المؤسسة، وذلك على لسان أحد المحققين “لأبو حسام” أثناء فترة اعتقاله الأولى، قبل خروجه بكفالة مالية بشرط تقديم إثباتات ووثائق لصحة عمل المؤسسة ماليا، ما يعني الاطلاع على تمويلها ومصادرها.
وتزامن إطلاق سراح توقير شريف مع نشر برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار أمريكي لأي شخص يدلي بمعلومات تدل على “أبو محمد الجولاني”.
الأمر الذي يثير العديد من التكهنات، وخاصة مع قضاء توقير شريف 3 أشهر من أصل 6 حكم بها، لناحية توقيت خروجه، وكذلك الهدف الأمريكي من إعادة إلقاء الضوء على هيئة “تحرير الشام” التي لم تفوت أي فرصة تعزز هدفها في سحب اسمها من قوائم الإرهاب الأمريكية.
– صلة تتعلق بالمسار العام لتحرير الشام
لا توجد صلة مباشرة بين إطلاق سراح توقير شريف والإعلان الأمريكي بخصوص “الجولاني” بحسب الباحث السوري عباس شريفة لـ “ملفات سوريا”، لكنه يدخل في المسار العام لتحرير الشام لتحسين صورتها أمام الغرب الذي يضم إطلاق سراح الناشطين ومسح العبارات المعادية للديمقراطية والعلمانية من جدران بعض مباني مدينة إدلب.
ويعتقد “شريفة” بأن رصد المكافأة المالية التي أعلنت عنها وزارة الخارجية الأمريكية خطوة سياسية بحتة، لها عدة دلالات ومؤشرات، فتأتي بعد نقل “المرصد الاستراتيجي” لتقرير أمني يثبت أن عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم “حراس الدين” كانت تصب في مصلحة “تحرير الشام”، وأن تبادلا للمعلومات الاستخباراتية وقع بين الولايات المتحدة و”تحرير الشام”.
ويؤيد الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي بحديثه لـ “ملفات سوريا” الرأي بعدم وجود علاقة مباشرة بين إطلاق سراح “أبو حسام البريطاني” والإعلان الأمريكي بخصوص “الجولاني”، فكان اعتقاله في المرتين مرتبطاً بشكل مباشر بالحصول على معلومات سرية تخص قادة تنظيم “حراس الدين” وغرفة عمليات “فاثبتوا”، لا سيما وأنّ “تحرير الشام” استطاعت تفكيك فرع تنظيم القاعدة في سوريا بشكل شبه كامل، باستثناء وجود أفراد أو خلايا لا تحمل تهديداً لها ويُمكن مراقبة أنشطتها أو ملاحقتها تباعاً.
– سياسة براغماتية لن تتغير
وربما يأتي الإعلان الأمريكي في سياق إعطاء الضوء الأخضر لروسيا للتصعيد في إدلب، وهي التي بدأت تستعد لذلك بحجة “محاربة الإرهاب”، وإن كان القرار استراتيجيا لا يتعلق بتبدل الإدارة الأمريكية، فهو يعني انتهاء الدور الذي قامت به “تحرير الشام” سابقا من ملاحقة الجماعات الأكثر تطرفا، والعودة الآن لأصل المسألة وهو أن “تحرير الشام” فصيل مصنف أمريكيا على قوائم الإرهاب، بحسب “شريفة”.
ويضيف “شريفة” بأننا لن نشهد تحولا كبيرا في سياسة “تحرير الشام” والبرغماتية نحو الخطاب الإيديولوجي الذي يدندن حول العداء للغرب، وذلك بسبب استهلاكها أوراق المزايدات الإيديولوجية، وخروج أغلب العناصر المؤمنة بأفكار “السلفية الجهادية” خارج صفوفها، واستحكام العداء بينها وبين “تحرير الشام”.
ويرى “شريفة” أن الإعلان الأمريكي لن يكون له أثر على “الجولاني” الذي لا يخفي تحركاته أصلا، لكن تبقى هناك تخوفات من اغتياله قبل رحيل إدارة ترمب بهدف إضافة إنجاز له رمزية كبيرة لسجله بما يتعلق بـ “مكافحة الإرهاب”.
– استمرار التهديد على السلم والأمن العالمي
إعلان وزارة الخارجية الأمريكية بحسب عبد الوهاب عاصي يحمل إشارة واضحة إلى أنّ الولايات المتحدة لا تزال متشككة بجميع الجهود التي تبذلها هيئة “تحرير الشام” وسعيها للخروج من اللوائح السوداء، وأنّ الخطوات التي قامت بها غير كافية، وقد يكون ذلك بمثابة دافع لـ “الجولاني” لاتخاذ مزيد من الإجراءات لإعادة تعريف نفسه والهيئة كتنظيم مسلّح محلي.
ويضيف الباحث عبد الوهاب عاصي أنه يُمكن الاعتقاد أنّ الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية تعتمد في التصنيف ليس على زوال التهديد القائم فحسب، بل على المخاطر المحتملة التي قد يُشكّلها أي تنظيم مصنّف على قوائم الإرهاب مستقبلاً، وأنَّ تغيير سلوكه يأتي تكيفاً مع الظروف المحلية والدولية، لذلك قد يُنظر إلى خطوات هيئة “تحرير الشام” على أنّها مجرد تكيّف قسري قابل للتغيير في حال تغيرت المعطيات.
وبناءً على هذا كله، لن تفوت “تحرير الشام” أي فرصة تسمح لها بتأهيل نفسها أمام المجتمع الدولي، حتى لو تعلق الأمر بإطلاق سراح محتجزين لديها ممن نظمت لهم حملات مناصرة، كما فعلت يوم أمس حين أطلقت سراح “أبو حسام البريطاني” على الرغم من الاتهامات الكثيرة الموجهة إليه.