الحافظ لـ”ملفات سوريا”: الأسد طرح تغيير الدستور بداية الثورة.. والمعارضة تعود إلى هذه المبادرة
حوار عبدالله الغضوي
أكد الدكتور حسام الحافظ أن مسار اللجنة الدستورية الحالي، انحراف خطير عن القرار 2254، مستبعدا أية نتيجة إيجابية من هذه اللجنة، مشيرا إلى أن النظام يعمل على لكسب الوقت لمصلحة.
وأضاف في حوار مع “ملفات سوريا” أن النظام السوري طرح بداية الثورة تغيير الدستور، إلا ان القوى الثورية رفضت هذه المبادرة في إصرار واضح على عدم شرعية حكم الأسد.
وتحدث الحافظ عن الحلول البديلة، وكيف يمكن إعادة زخم الثورة وتمثيلها من كل القوى.. فإلى تفاصيل الحوار:
مع اقتراب الجولة الرابعة.. هل المشكلة في سوريا، مشكلة دستور وماذا تتوقع من مسار اللجنة الدستورية؟
المشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية، بل هي قضية سياسية وقانونية وأخلاقية تتعلق بوجود نظام استبدادي أمسك بالسلطة منذ أكثر من خمسين عاما، ويستخدم جميع الأدوات القمعية للتمسك بالسلطة، كما أن تاريخ سوريا منذ الاستقلال الأول منذ عام 1918 حتى الآن، مفعم بالتجارب الدستورية والدساتير، ولكن لم تكن تلك الدساتير يوما تمثل محركاً نحو التغيير، بل أتت في بعض الأحيان نتيجةً لتغيير سبقها، وفي كل الأحوال لم تكن مدخلا للتغيير السياسي بسوريا، بالإضافة إلى أن خروج الناس للشوارع، ومطالباتهم بالتغيير في سوريا، لم يكن مدخله أو منتجه دستورا جديدا، لقد طرح النظام تغيير الدستور في بداية الثورة عبر تشكيل لجنة غير منتخبة وهذا ما تم، ولكنها لم تجد أي تجاوب من الشعب السوري ومن قوى الثورة والمعارضة، لتيقن كافة الأطراف بأن النظام لا يستند في حكمه لشرعية دستورية، بل يستند للسلاح والقوى الأمنية وآليات القمع والإفقار، وبالتالي فتعديل الدستور لن يكون ذا جدوى.
ومن هنا نرى أن اللجنة الدستورية لا يمكن أن تكون مدخلا للانتقال السياسي في سوريا، كما أن القرارات والمرجعيات القانونية الدولية الأساسية للعملية السياسية في سوريا، ذات مدخل واضح وحيد وهو عملية انتقال سياسي كامل، أما التغيير الدستوري فهو أحد مراحلها المتأخرة، ويأتي بعد الانتقال السياسي، تقوم به هيئة حاكمة انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية تدير وتشرف وتحضر البيئة الآمنة الحيادية التي يمكن من خلالها اجراء التغيير الدستوري والتشريعي، ويتمخض عن هذه الفعاليات انتخابات، مما يعني أن إجراءات العملية الانتقالية هي التي تمهد الطريق لتبني دستورا جديدا عبر الإجراءات الدستورية المقبولة وفقاً للأعراف ولإمكانية إجراء الانتخابات، فبوجود الأسد لا يمكن الركون إلى تغيير الدستور أو وضع دستور جديد أو إجراء انتخابات، كما أنه لا يليق بتاريخ سوريا وضع دستوري سوري بهذا الشكل المريب.
أنت تلمح إلى تعارض مسار اللجنة الدستورية مع القرار 2254؟
بالفعل؛ مسار اللجنة الدستورية انحراف خطير عن القرار 2254، والتفاوض حول الخطوات الدستورية هي أحد المواضيع الأربعة التي طرحها ستيفان دي مستورا وأسماها سلالاً، مع التأكيد أن السلال المذكورة، لم يتم قبولها كما طرحت أبداً، وإنما تم وضع تصور آخر من قبل الهيئة العليا للمفاوضات حول محاور التفاوض، ومنها محور التغيير الدستوري الذي عبرت الهيئة العليا للمفاوضات أن المقصود به هو التفاوض حول شكل ومتطلبات الخطوات الدستورية في المرحلة الانتقالية وليس وضع دستور قبل الانتقال السياسي. وبكل وضوح لم يطرح التعديل الدستوري أو وضع دستور جديد مطلقاً كمدخل للانتقال ومحاولة وضع دستور لسورية من خلال لجنة غير منتخبة، وضمن مرجعية “سوتشي” خروج عن المرجعيات الدولية ومن المصلحة السورية.
لكن مسار اللجنة الدستورية يلقى تأييد أمريكا وروسيا وتركيا وأوروبا وكافة الأطراف المؤثرة في الملف السوري؟
ولكن هذا لا يعني أنه يلبي تضحيات الشعب السوري، ذلك أن السؤال “نحن ماذا نريد”.. ودعني أقول إن كل لاعب دولي له علاقة في الموضوع السوري له نظرته الخاصة للعملية السياسية، إلا أن ما يجمعهم هو الترحيب بأي جهد دبلوماسي أو سياسي بغض النظر عن مطابقته لقرارات مجلس الأمن أو لتفسيرنا للقرارات الدولية، فالقوى الدولية المحسوبة صديقة للثورة كانت دائماً تشجع قوى الثورة والمعارضة للانخراط في أي تسوية دولية مهما كان شكلها ومهما كانت مآلاتها، واتفاقهم حيال الدستورية لا يعد مؤشرا على صحتها، كما أن تفاهمات فيينا بين روسيا وأمريكا كانت بحد ذاتها خروجا عن مخرجات جنيف، وهذا برمته لا يعني قبولنا فنحن أصحاب القضية.
النظام لا يريد الانخراط في اللجنة الدستورية… ألا يعني ذلك أن معارضة اللجنة الدستورية تلتقي مع رغبة النظام؟
النظام يرفض أي شيء له علاقة بالعملية السياسية، ومقاربة مقارنة موقفنا مع موقف النظام مقاربة غير صحيحة، إذ لا يمكن أن نوافق على مسار الدستورية فقط لأن النظام يرفضها، فالنظام يرفض أي تسوية، بينما لا يوجد تطابق بين شكل التسوية المناسبة لنا مع ما يريده النظام. والنظام يرفض من أول يوم أي جهد يؤدي الى التسوية السياسية حتى لو كانت تلك التسوية بعيدة عن تحقيق أهداف الثورة، فالنظام يرى أن أي تغيير في موقفه السياسي التفاوضي يعتبر ضعفاً وتنازلاً للشعب. ولكن المقياس بالنسبة لنا مختلف تماماً ومحدداته تتعلق بتحقيق أهداف الثورة وتحقيق الأفضل لسورية ضمن الثوابت الوطنية والثورية.. ربما الأصح القول بأن من وجهة النظر المعاكسة التي حبذت الانخراط في اللجنة الدستورية وفقاً لمقررات سوتشي، أسهمت في ضرب المرجعية القانونية للعملية السياسية كما نراها نحن وأسهمت في محاولة تغليب الأجندة الروسية والتفسير الروسي للقرار 2254.
هل تثق بالضمانات الروسية للذهاب للجنة الدستورية؟
في العلاقات الدولية الضمانات شبه معدومة، فالضمانات الدولية متغيرة وغير ملزمة، مع العلم بأن الروس وغيرهم لم ولن يقدموا أي ضمانات أو حتى وعود، كما أن تصريحات الروس مؤخرا لا ترى ربطا بين العملية السياسية ومسار اللجنة الدستورية، بالإضافة إلى أنمهم يرون أن انتخابات “بشار الأسد” في 2021 استحقاق قائم وواجب، بغض النظر عن العملية الدستورية، ما يعني أن أعمال اللجنة الدستورية مجرد كسب للوقت، في ظل توقف العملية السياسية ومحاولات التحريك غير المجدي لمسار الدستورية.
ما هو البديل بتصورك عن مسار اللجنة الدستورية؟
البديل هو التحرك في عدة مسارات ومستويات، تتمثل في موجة ثانية من الثورة بمستوى سياسي واقتصادي واجتماعي، في ظل وجود أراض محررة وجاليات تضم مغتربين سوريين من الجيل الثاني والثالث يقفون ضد النظام كما تضم الملايين من السوريين ضحايا النظام الموزعين في أنحاء العالم، وكذلك بوجود اتصالات دولية، بالإضافة إلى ذلك نحن نملك قوة عدم القبول بما يعرض علينا على مستوى العملية السياسية إلا وفقاً لما نراه منسجماً مع قواعد الانطلاق الثوري المتمثل في السوريين الذين دفعوا ثمناً باهظاً جدا لإحداث التغيير في سوريا، كما يجب تغيير النظرة إلى المتاح، فالمتاح هو ما يتم السعي إليه ووضع شروط نجاحه من قبلنا نحن كقوى ثورة ومعارضة وليس ما يعرضه الآخرون كمسارات ومواقف إلزامية…. فربما يعرض علينا المجتمع الدولي كأمر “متاح” القبول بدخول انتخابات إلى جانب “الأسد”، والقبول بذلك لا يعني الواقعية السياسية أو القبول الذكي بالمتاح بل يعني الاستسلام، كما يجب التفريق بين الانخراط في العملية السياسية سعياً لايجاد تسوية سياسية وإيجاد حل عادل للقضية السورية والأمر الأوسع والأهم وهو عملية قيادة الثورة، ففشل من أصر على التمسك بتصدر المشهد في قيادة الثورة بحكمة وباستقلالية بعيداً عن المؤثرات الخارجية، قد أسهم فيما وصلت اليه الأمور وأسهم في تقزيم ما يعرض علينا من المجتمع الدولي ومن الوسطاء الدوليين.
وإلى جانب العودة إلى قيادة الثورة بشكل صحيح، لا بد من إحياء التفاوض الحقيقي الذي لا يمكن إجراؤه من خلال لجنة، بل يكون عبر طرفين يفاوضان ضمن مسار تفاوضي، ويتمثل بإحياء التفاوض الحقيقي من جديد في جنيف، مع تجميع أوراق القوة لقوى الثورة من خلال قيادة حقيقية تقود موجة ثورية جديدة.
لا بد من المناداة بالعودة إلى مسار جنيف كحل بديل للدستورية في إطار قوى ثورية حقيقية لها موقف واحد بأوراق متعددة سياسية وعسكرية.
ألا ترى أن هذا الطرح خارج السياق الحالي للثورة السورية؟
لا أبداً… وذلك أن كل ممثلي الثورة من أعضاء الائتلاف أو هيئة التفاوض أو الدستورية حصروا أنفسهم فيما رأوه من واجب في تحليل وتنفيذ القرارات الدولية والمرجعيات السياسية الخارجية، بينما هذا الجانب كان يجب ألا يشكل إلا جزءا صغيراً من العمل العام والثوري والسياسي، كان خطأ كبيراً اختزال الثورة بهذا الإطار، فمن المفترض أن مهمة الجسام السياسية التي أفرزتها الثورة أو التي ظهرت على الساحة السياسية في معرض الثورة ومنها الائتلاف الوطني تتمثل في تحقيق أهداف السوريون الذين استشهدوا أو اعتقلوا أو هجروا أو حتى حلموا بالتغيير في سوريا.
والأدوات المتاحة للأجسام متصدرة المشهد كثيرة العملية السياسية تشكل جزءا يسيراً منها، لكن وجهة النظر التي ترى أن العملية السياسية هي المتاح الوحيد وجهة نظر كارثية.
يرى متصدرو المشهد السياسي المعارض أن القوى المعارضة الأخرى غائبة تعمل على النقد فقط؟
تم إخراج البعض بقرارات دولية، والبعض الآخر خرج بسبب تراكم الإحباط، ومع ذلك الوضع لا يعتمد على أشخاص، وبذات الوقت أرى أن المراجعات ضرورية لإدارة المشهد بصورة صحيحة على أن تهدف المراجعات الخروج بخلاصات حقيقية مفيدة بعيداً عن المماحكات أو التشفي وأن تتم مراجعة القرارات السابقة وأزمنتها وفوائدها ونتائجها ودوافعها، كما أرى أن الخطأ الأكبر هو ابتعاد النخب السياسية عن المشهد بسبب الشعور بالإحباط أو اليأس من النجاح، لأن انتقال الإحباط من النخب للناس على الأرض مشكلة كبيرة، وغيابهم خلق فراغا لم يتم استدراكه.