اقتصاد

تداعيات صفقة النفط على الأكراد في سوريا

دخل الأكراد في لعبة معقدة بعد الاتفاقية النفطية بين شركة Delta Crescent Energy الأمريكية وقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، لإعادة صيانة حقول النفط وزيادة الإنتاج في شمال شرق سوريا، العقدة تكمن في أن هناك قراراً أمريكياً حازماً بمنع تزويد النظام السوري بالنفط بسبب قانون قيصر، ومن جهة ثانية تحتاج قسد إلى منفذ لبيع هذا النفط في الأسواق القريبة والسريعة، وهذا يضع قسد في حالة ارتباك على المستوي السوري والإقليمي.

القاعدة الأساسية في “قانون قيصر”، هي معاقبة كل جهة على الأرض السورية أو خارجها تدعم النظام السوري، بل ينص القانون لفظا صريحا على مادة النفط التي لها دور في العمليات العسكرية التي يشنها النظام في شمال غرب سوريا، وبالتالي فإن أية عملية تصدير النفط من مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة للإدارة الذاتية في عين العقوبات كونها المحرك الأول لكل عملية عسكرية.

وقد أدركت الإدارة الذاتية أنها ستكون تحت تداعيات قانون قيصر مالم يتوفر بديل أو استثناء لهذه العقوبات، لذا طالبت قيادات سياسية رفيعة في حزب الاتحاد الديموقراطي “العصب المحرك للإدارة الذاتية” باستثناءات أمريكية من أجل تجنب تداعيات القانون، مستندين إلى دورهم في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وعدم وقوع مناطقهم في فخ العقوبات كما هو حال مناطق الأسد.

وبعد يوم واحد من إعلان تطبيق القانون في السابع عشر من شهر يونيو وإدراج شخصية حسام القاطرجي “عراب النفط بين النظام السوري و(قسد)”، صرح عضو هيئة الرئاسة المشتركة في حزب الاتحاد الديمقراطي، آلدار خليل أنه من الناحية العملية هناك عقبات كثيرة أمام هذا الأمر، “فالعملة السورية هي المتداولة في المنطقة والإدارة جزء من سوريا وتتعامل مع مناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية من الناحية التجارية”، مؤكداً أنها ستتأثر بهذه العقوبات .

ولجأت الإدارة إلى عدة إجراءات استباقية استعدادا لهذه العقوبات وتأثيراتها المستمرة خصوصا وأن مدة سريان القانون خمس سنوات، ما يجعل الإدارة الذاتية في خطر اقتصادي حقيقي، ومن بين هذه الإجراءات منعت الإدارة الذاتية في السادس من شهر يونيو (حزيران) توريد محصول القمح إلى مناطق النظام، فيما يبدو أنه إيعاز أمريكي لخنق النظام وتشديد الحصار، وكذلك الحفاظ على احتياطي القمح تخوفا من تفاقم الأزمة الاقتصادية، بل بدأت ترتسم أيضا شكل العلاقة بوقف التعليم في مناطق الحسكة بمنهج الحكومة السورية والاعتماد على منهج خاص بالإدارة في إشارة على المضي في الابتعاد عن صيغة متقاربة مع النظام، لكن المشكلة الكبرى بالنسبة للإدارة الذاتية هي مسألة تصدير النفط إلى مناطق النظام السوري الذي يحرم الإدارة الذاتية من أموال طائلة عبر الوسيط “القاطرجي”، سيما وأن هذه الصفقات تتم من دون مصارف وبنوك بل عبر العملة الأجنبية بالكاش، الأمر الذي منح الجانب الكردي هامشا من حرية التعامل مع النظام باعتبار التعامل لا يمر عبر المصرف المركزي السوري الذي تفرض عليه واشنطن عقوبات، لكن هذا لا يجنب الإدارة الذاتية من خطر الوقوع في العقوبات في حال تعاملت مع النظام.

سيقوم بتوفير دخل يومي ما يعادل 3 مليون دولار يوميا، عبر مصفاتين نفطيتين متنقلتين من شركة، دون العمل Delta Crescent Energy على إنشاء مصافي نفطية ضخمة، وهذا ما يوحي بأنه اتفاق مؤقت، لكن من شأنه زيادة ميزانية الإدارة الذاتية

وأمام الاحتياجات الاقتصادية للأكراد واعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على هذا الحليف في سوريا في عمليات مكافحة تنظيم داعش، اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى فكرة اقتصادية طرحت منذ عام، وهي إصدار استثناء من الخارجية ووزارة الخزانة لإبرام اتفاق بين (قسد) وشركة Delta Crescent Energy، وهي شركة مغمورة ليست على مستوى عال من التقنية والشهرة، يديرها سياسيون أمريكيون سابقون، وبموجب هذا الاتفاق فإن إنتاج النفط الذي يصل الآن إلى ما يقارب 60 ألف برميل يوميا.

سيقوم بتوفير دخل يومي ما يعادل 3 مليون دولار يوميا، عبر مصفاتين نفطيتين متنقلتين من شركة، دون العمل Delta Crescent Energy على إنشاء مصافي نفطية ضخمة، وهذا ما يوحي بأنه اتفاق مؤقت، لكن من شأنه زيادة ميزانية الإدارة الذاتية التي تقدر في الوقت الحالي بملياري دولار مليار ونصف المليار معظمها من عائدات النفط والغاز فقط (وفق موظف سابق فضل عدم ذكر اسمه)، فضلا عن المحاصيل الاستراتيجية الأخرى مثل القمح، وعلى ما يبدو أن مثل هذا الاتفاق يأتي لدعم استقلالية الأكراد ماديا، وهذا جاء بتصريح من الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في 22 أكتوبر العام 2019 بعد العملية العسكرية التركية في مناطق شمال شرق سوريا، حيث قال ترمب ” إن أمريكا يمكن أن ترسل كبرى الشركات الأمريكية النفطية لاستثمار النفط وهذا من شأنه ضخ أموال للأكراد.

وهذه الصفقة بين (قسد) و Delta Crescent Energy، تفسر محاولة الكونغرس الأمريكي تحضير مشروع قانون يمنع وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” من انفاق الأموال الفيدرالية على أغراض فرض السيطرة على حقول النفط في سوريا والعراق. ويقدر هذا المبلغ حوالي 700 مليون دولار، ويقترح استخدامه لتقديم المساعدة، وتدريب أجهزة الأمن الأجنبية والجماعات المسلحة غير النظامية والأشخاص الضالعين في أنشطة تهدف إلى مكافحة تنظيم “داعش”.

ولكن من الناحية الأخرى، بتعاقد (قسد) مع شركة النفط الأمريكية Delta Crescent Energy، فإن الولايات المتحدة تتخلص من الأعباء المالية التي تقدمها لـ (قسد) وعمليات التحالف وفق تصريح ترمب السابق، بينما تتضاعف الميزانية ثلاثة أضعاف في شمال شرق سوريا.

وبالرغم من أن التعاقد ما بين (قسد) وشركة Delta Crescent Energy، سينعش مناطق شمال شرق سوريا اقتصاديا وينمي البنية التحتية إلا أنه يحمل أبعاد سياسية، فضلا عن بقاء السؤال الكبير أين سيذهب النفط في ظل المعارضة التركية لهذه الصفقة، خصوصا وأن كمية مثل 60 ألف برميل في المراحل الأولى سيكون ثلث منها للاستخدام المحلي، ليس مغريا للولايات المتحدة الأمريكية، بينما ستعاني (قسد) من تداعيات سياسية من طرف روسيا والنظام السوري، وربما اقتصادية ذلك أنها تحصل على الكهرباء من قبل النظام، وهذا ما يفسر محاولات (قسد) المتكررة السيطرة على مؤسسة الكهرباء في الحسكة كي لا تكون تحت رحمة النظام السوري في حال تغير الموازين الاقتصادية ومنع تصدير النفط للنظام.

على ما يبدو؛ تحاول (قسد) ربط السياسة بالاقتصاد مع الجانب الأمريكي، وضمان بقاء القوات الأمريكية لفترة طويلة في مناطقها، وحتى تمسك (قسد) العصا من الوسط وتعمل من أجل التوازن بين روسيا وأمريكا، قال الرئيس المشارك لإدارة شمال وشرق سوريا، عبد حامد المهباش، إن الإدارة الذاتية بصدد دراسة طلبات لشركات روسية وأمريكية بهدف الاستثمار في مجالات خدمية مختلفة بالمنطقة، ما يعني فتح أبواب المنطقة على الاستثمارات وهذا بدوره يتطلب بيئة آمنة ومستقرة يضمن بقاء (قسد) كطرف أساسي عسكريا واقتصاديا وسياسيا في ظل كل السيناريوهات المحتملة لحل الأزمة السورية، لكن الثغرة تكمن في طبيعة الاتفاق، إذ تم إبرامه مع الشركة كجهة مستثمرة وليس مع الإدارة الأمريكية، فيما لا توجد أية صفة دولية لـ (قسد) من الناحية القانونية ما يعني أنه ليس اتفاق اعتراف سياسي بالإدارة الذاتية كما يراه البعض، فهو أشبه باتفاق واقع فقط، بل هو من وجهة نظر النظام السوري  (قسد) لا تملك صفة قانونية لتوقيع اتفاق مع أي جهة أجنبية، ووفق الدستور السوري فإن السلطة التنفيذية هي فقط المخولة بتوقيع هكذا اتفاق ومن ثم رفعه لمجلس الشعب السوري للمصادقة عليه، وهذا الاتفاق غير شرعي ليس فقط وفق الدستور السوري، مع العلم أن البرلمان السوري ذاته الذي يدين هذا الاتفاق النفطي، لا يعلم بعظم الاتفاقيات التي يبرمها النظام مع روسيا أو إيران وهو مجلس شكلي فقط يتم تحريكه وفقا لسياسة وتوجهات النظام السوري.

تحاول (قسد) ربط السياسة بالاقتصاد مع الجانب الأمريكي، وضمان بقاء القوات الأمريكية لفترة طويلة في مناطقها، وحتى تمسك قسد العصا من الوسط وتعمل من أجل التوازن بين روسيا وأمريكا

وهنا قد يرد النظام على حرمانه من النفط في تقليل التعامل الاقتصادي مع مناطق الإدارة الذاتية، وضرب نوع من المقاطعة التجارية إذ إن معظم اعتماد مناطق سيطرة الأكراد تعتمد على التجارة البينية مع مناطق النظام، وقد تتجه الإدارة الذاتية إلى كردستان العراق في استيراد ما تحتاجه من المنتجات في الوقت الذي تسوق فيه النفط إلى الإقليم ذاته، وهذا يرفع سعر التكلفة والاعتماد على الإقليم على مستوى التصدير والتجارة، ما يجعل مناطق شمال شرق سوريا تحت هيمنة الإقليم بالكامل اقتصاديا وبالتالي سياسيا.

وبالتالي يظهر في العمق أن الاستثناء الأمريكي في اتفاق النفط ليس في المصلحة الكردية على المدى البعيد كما يصوره البعض، بل قد تكون هناك تداعيات سيئة على المستوى الاقتصادي إلى حين بدء مضاعفة الإنتاج، خصوصا إن العقد مع الشركة الأمريكية سيحرم مناطق سورية كثيرة من النفط، باعتباره سيكون في حوزة الشركة الممنوعة من التعامل مع النظام السوري وسيتم بطبيعة الحال تخفيض حصة السوق السورية من النفط، فضلا عن ارتفاع الأسعار باعتبار وجود شركة أمريكية بمصافي تعادل قيمتها ملايين الدولارات سيزيد من سعر التكلفة على المستوى المحلي، أما مسألة تصدير النفط فالمنفذ الوحيد لها إقليم كردستان العراق الذي يرتبط جغرافيا واقتصاديا بالموقف بتداخل العلاقة مع تركيا، وبالتالي الاعتماد على العائدات النفطية ليست بالمسألة السلسلة، حيث تحيطها تعقيدات كبيرة بسبب حالة اللااستقرار في مناطق شمال شرق سوريا لسببين:
الأول؛ أن بنود العقد سرية لأنه يتضمن معلومات عن الأسعار والمبالغ المالية وكميات النفط وأماكن الحفر، وهي معلومات محمية بالقانون الأميركي، كما أن اختيار ولاية ديلاوير لتسجيل الشركة وهي واحدة من الولايات القليلة في أميركا التي يكون التسجيل فيها سرياً، حيث لا يمكنك معرفة أسماء المالكين، ومن الواضح أن المالكين ذوي شأن كبير سواء من الأميركيين أو من السوريين لكي يتم إخفاء أسمائهم، كما أن الولاية هي الأقل دفعاً للضرائب والرسوم من الولايات الأخرى.

السبب الثاني؛ هو طريقة الحصول على المبالغ المالية لقاء تصدير النفط، إذ لا تملك الإدارة الذاتية نظام بنكي يمكن من خلاله الحصول على عائدات النفط، إلا أن بعض المعطيات تشير إلى تدخل دولة عربية على هذا الخط وقد تكون الإمارات العربية المتحدة، إذ يجري الحديث في واشنطن أن شركة Delta Crescent Energy هي أحد فروع الشركة النفطية الإماراتية Crescent petroleum التي تتخذ من الشارقة مقر لها، وبالتالي من المرجح أن تكون الإمارات هي الوسيط المالي بين الشركة الأمريكية وبين (قسد).
الخلاصة أن اتفاق النفط بين (قسد) والشركة الأمريكية، بغض النظر أنه لا يحمل أية صفة سياسية أو قانونية، وهو اتفاق أمر واقع يحمل صفة عسكرية مؤقتة، وهذا ما أورده السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام الذي كشف عن تفاهم مع القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي وليس مع الإدارة الذاتية الجهة المدنية الخدمية في المنطقة، إلا أنه مليء بالتعقيدات والغموض حتى الآن لجهة النتائج والعائدات وحجمها وبالتالي انعكاسها على مناطق شمال شرق سوريا، فلا أحد حتى الآن اطلع على نص هذا الاتفاق، كما أنه وهو يأتي في ظل جمود الحالة السورية السياسية وثبات القوى الفاعلة على الأرض، وهو ليس مرتبط من الناحية العملية بالتخلص من تأثيرات قانون قيصر، ذلك أن التعامل مع النظام في كل الأحوال مسألة متفق على عدم قانونيتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وما جرى هو زيادة الإنتاج فقط واستمرار عدم بيع النظام، لكن النتيجة هي زيادة دخل مناطق شمال شرق سوريا بشكل غامض، وبالتالي تقسيم اقتصادي على أرض الواقع، خصوصا بعد أن تتضاعف عائدات النفط لتصل إلى60 ألف برميل يوميا.. بمعنى آخر أنه لا مهرب من تبعات “قانون قيصر” والخلافات السياسية مع دمشق بعد أن يتم حجب النفط عنها، بالإضافة إلى أن تصريف هذه الثروات يعيد الأكراد إلى مربع “قانون قيصر” بالدرجة الأولى والوضع السياسي مع دمشق وروسيا التي بدأت (قسد) في الآونة الأخيرة تتجه لاتفاقيات سياسية مع موسكو.

المقال مترجم عن مركز Chathamhouse
https://syria.chathamhouse.org/research/implications-of-the-oil-deal-for-the-kurds-in-syria
عبدالله الغضوي، كاتب صحفي سوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى