هل تخلص الجولاني من “أحرار الشام”؟
أحمد إبراهيم (إدلب)
مرت حركة أحرار الشام الإسلامية منذ الإعلان عن تأسيسها نهاية عام 2011 بعدة منعطفات أدت لهشاشة تنظيمية وعسكرية ضمن صفوفها، وكان أكبر تلك المنعطفات اغتيال قادة الصف الأول في سبتمبر/2014، بحادثة لايزال يلفها الغموض، وتوالت الانكسارات بعدها مع تولي قادة جدد ليسوا على مستوى الحنكة التي تمتع بها القادة السابقون.
ولعل أخطر منعطف تمر به الحركة حاليا الانقلاب العسكري الذي يقوده النقيب “عناد الدرويش أبو المنذر” قائد الجناح العسكري المعزول مؤخرا في الحركة على خلفية بيان الانقلاب الذي أصدره في 20 تشرين الأول أكتوبر الحالي، مدفوعا من القائد العام السابق لها “حسن صوفان” الذي ينسق بدوره مع هيئة تحرير الشام التي ترمي بدورها للسيطرة على مفاصل قرار الحركة بتعيين صوفان قائدا عاما لها، وبالتالي الحفاظ على مشروع المجلس العسكري الذي تهندسه بما يناسبها.
ومع تراكم الخلافات ضمن تركيبة الحركة، واتخاذ قرارات منفصلة عن الواقع من قبل قيادتها الحالية وعلى رأسها جابر علي باشا، نشأ نوع من الاحتقان من الألوية العسكرية تجاه القيادة أكثر من كونه رفضا لقرارها الأخير بإقالة أبو المنذر من قيادة الجناح العسكري، والذي طلب في بيان الانقلاب العسكري من حسن صوفان قيادة الحركة في المرحلة الحالية، بحسب الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عرابي عبد الحي عرابي في حديثه لـ”ملفات سوريا”.
ويرى عرابي أن “أبو المنذر” يتمتع بشعبية بين أغلب القادة العسكريين في الحركة، الذين يرونه القيادي العسكري المهم الذي يفهم الواقع أكثر من غيره وتواصله جيد مع باقي الجهات العسكرية في المنطقة، الأمر الذي استغله حسن صوفان الذي لم يملك سياسة واضحة أثناء قيادته للحركة، وتماهيه مع سياسة تحرير الشام الفعلية، لتشكيل حلف انقلب على قيادة ومجلس الشورى في الحركة.
“صوفان” الذي يقود الانشقاق اليوم، استقال في حزيران (يونيو) 2019 من “أحرار الشام” وكتب في تغريده على حسابه الشخصي على توتير “لأسباب خاصة أعلن استقالتي من مجلس قيادة الجبهة الوطنية وحركة أحرار الشام الإسلامية، مع بقائي جندياً مع جميع جنود الثورة المباركة”، وخلفه جابر علي باشا في قيادة الأحرار، القيادة التي رأت في “صوفان” مؤخرا وسيلة لسيطرة تحرير الشام على الحركة بشكل شبه رسمي.
واعترف حسن صوفان بالتدخل العسكري لـ” تحرير الشام” في النزاع الأخير ببيان أصدره في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي بقيام الهيئة “بإفراغ مقرات طرفي النزاع في الفوعة وأريحا”، مؤكدا ما اتهمه به القائد الحالي للحركة جابر علي باشا حينما قال في بيانه الصادر في نفس التاريخ “طعنة جديدة تطعن بها الحركة ولكن هذه المرة ممن كانوا يحسبون يوما من أبنائها وتولوا مناصب قيادية فيها يتقدمون أرتالا لهيئة تحرير الشام للسيطرة على مقرات الحركة”.
تهدف هيئة تحرير الشام من وراء التدخل الحالي الى تمكين جناح صوفان من السيطرة على الحركة في إدلب، وهذا ما حدث فعلا بعد انكفاء القادة ومجلس الشورى إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني في منطقة عفرين، وترك مقرات القيادة في منطقة أريحا والفوعة، وبالتالي تسيطر على المجلس العسكري الذي دعت تركيا إلى تشكيله في تموز (يوليو) الماضي، والذي ضم ثلاث قادة عسكريين وهم أبو المنذر قائد الجناح العسكري المعزول لحركة أحرار الشام وقائد أركان الجبهة الوطنية للتحرير بنفس الوقت، وحج محمد حوران قائد غرفة عمليات الجبهة الوطنية للتحرير، بالإضافة لـ”أبو الحسن” قائد الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام بحسب “أبو بكر” أحد القادة العسكريين في حركة أحرار الشام.
وبحسب “أبو بكر” فإن فكرة المجلس العسكري هي المفجر الأساسي للخلاف بين جناح “أبو المنذر” و”حسن صوفان” الداعمين له وبين “جابر علي باشا” قائد الحركة ومجلس الشورى الرافضين لسيطرة تحرير الشام على قرار المنطقة المحررة في إدلب عن طريقه وفق ترتيبه بما يناسبها، وخاصة مع طرح اسم “صوفان” ليكون المندوب السياسي لهذا المجلس وهو ما يسعى له ويرضي الهيئة التي لا تريد تفكيك الأحرار بشكل كامل، لأن ذلك يضعف جهودها في إطلاق مشروع جديد لإعادة إنتاج نفسها دوليا وشطبها من لوائح الإرهاب، هذا ما يفسر نفيها أي علاقة لها في الاقتتال ضمن الحركة.
وبحسب عسكري سابق في حركة أحرار الشام في حديثه لـ “ملفات سوريا”، فإن التطورات الحالية ماهي إلا نتاج تراجع حضورها وتأثيرها في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل العسكرية، وخاصة مع تمكن هيئة تحرير الشام من إنهاكها عسكريا بعد عدة عمليات شنتها ضدها، وأهمها تلك التي أدت لإعلان الحركة حل نفسها في ريف حماه الغربي والخروج إلى منطقة عفرين، وما تبع ذلك من السيطرة على سلاحها الثقيل.
وأضاف المصدر السابق أن الحركة منذ نشأتها كانت ضائعة بين أيديلوجيا السلفية الجهادية وأيديلوجيا المقاومة الوطنية، وكانت تسعى دائما لتكوين حالة وسطية مستقلة، هذا ما يفسر وقوفها على الحياد من تصارع فصائل المعارضة مع التنظيمات الجهادية، وهي كانت تملك القوة لفرض نفسها، الأمر الذي أدى مع الزمن إلى سيطرة هيئة تحرير الشام على المشهد وامتلاكها القوة لإيصال الحركة لمرحلة التفكك.
تنتهج هيئة تحرير الشام سياسة لطيفة لتحقيق أهدافها، بما يحقق استجابة لضغوط خارجية أبرزها من تركيا، بما يساهم في دمجها ضمن صفوف باقي أطياف المعارضة السورية، ولكن دون أن تخسر شيئا مهما من مكاسبها السابقة، ويدفع شخصيات إلى الواجهة بينما هي المحرك الأساسي وصاحبة القرار دون منازع.