هل طوى “الجولاني” صفحة “الحراس”؟
أحمد إبراهيم (إدلب)
مع تصاعد استهداف عناصر تنظيم “حراس الدين” من قبل الطيران المسير التابع للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وجدت هيئة تحرير الشام فرصة مواتية لإنهاك التنظيم وتفكيكه بخطة أمنية تدريجية، نتج عنها اعتقال أغلب أعضاء مجلس الشورى، وإدخاله في حالة كمون وتشتت، وبالنتيجة هيمنة تحرير الشام على باقي الجماعات المتشددة التي تعارض سياستها، والتي كانت تميل للحراس وتشاركهم في غرف العمليات العسكرية، وتسعى اليوم للهيمنة على قرار المجلس العسكري الموحد المدعوم من تركيا.
شكل اعتقال “أبو حمزة الدرعاوي” من قبل تحرير الشام في 27 من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، اثباتا رسميا على أن التنظيم قد فكك، وخاصة بأن الدرعاوي هو الإداري العام الذي يمتلك ذاتية جميع العناصر والأمني العام الذي يمسك المفصل الأمني، فمن بعده فأعضاء مجلس شورى “حراس الدين” إما معتقلون لدى تحرير الشام، أو تم قتلهم بضربات التحالف، أو متخفون عن الأنظار كالشرعي سامي العريدي والعسكري العام أبو همام الشامي، بحسب الباحث في الجماعات الجهادية بمركز جسور عرابي عبد الحي عرابي في حديثه لـ “ملفات سوريا”.
ويرى عرابي مع تراكم نتائج العمليات العسكرية والأمنية التي نفذتها تحرير الشام على الأرض وأدت للسيطرة على المفاصل التنظيمية باعتقال قادة بارزين من حراس الدين، مثل أبو عبد الرحمن المكي قائد قطاع الساحل، وبالتناسق تماما مع ضربات التحالف من الجو التي قتلت قادة عسكرين بارزين، فيمكن القول اليوم إن التنظيم كهيكلية وإدارات ومركزية وأمنية قد انتهى، ودخل بمرحلة الخلايا التي تفتقد للتنظيم والتدريب فيما بينهما وحتى لم يبق له نقاط للرباط.
ولم تستغرق عملية إنهاء وجود “الحراس” في الميدان أكثر من 8 أشهر خلال عام 2020، وشاركت تحرير الشام بفاعلية كبيرة لتقديم مسوغ أمام الدول المهتمة بأنها تمثيل سلطة شرعية داخل إدلب، وأي فصيل لا يقبل بهذه السلطة وتوجهاتها وضوابطها واتفاقاتها فيعرض نفسه إما للتفكيك أو الاخضاع وتعرض الحراس للاثنين معا.
بالنتيجة ضمنت الهيئة سيطرتها على المنطقة من التنظيمات والجماعات الصغيرة المرتبطة بالقاعدة بشكل أو بآخر وكذلك المناهضة لها بتفكيك الفصيل الأكبر والأشرس بينها، فالتزمت تنسيقية الجهاد التي شكلها القيادي السابق في الهيئة “أبو العبد أشداء” الحياد بعد حملة الهيئة العسكرية على غرفة عمليات “فاثبتوا” في حزيران (يونيو) الماضي، المكونة من “حراس الدين” و”جماعة أنصار الدين” و”جماعة أنصار الإسلام”، إضافة إلى منشقين عن “تحرير الشام”، كما أن جماعة “أنصار التوحيد” التي يقودها “أبو دياب سرمين” أول من ابتعد، بالإضافة لفرقة “غرباء” التي انتهت باعتقال قائدها الفرنسي عمر أومسن المعروف “بعمر ديابي”، والكتيبة الألبانية والتركستان، بحسب “أبو المغيرة” المقرب سابقا من عناصر تنظيم “حراس الدين” بحديثه لـ “ملفات سوريا”.
“تحرير الشام” ضمنت لنفسها الهيمنة شبه الكاملة على القرار في محافظة إدلب، وفرض نفسها كطرف لا يمكن لأحد تجاوزه، بل يجب التنسيق معه، وعلى ما يبدو فإن سياستها الحالية تثير اهتمام التحالف الدولي الذي لم يوجه أي ضربة عسكرية لها.
وبعد استتباب الهيمنة لها على الجماعات والتنظيميات الجهادية، تسعى “تحرير الشام” للهيمنة على قرار المجلس العسكري الموحد في إدلب، مع وجود قائد الجناح العسكري في حركة أحرار الشام النقيب المعزول “أبو المنذر”، وقائد غرفة عمليات الجبهة الوطنية للتحرير.
وبحسب الصحفي السوري عمر حاج أحمد من إدلب في حديثه لـ “ملفات سوريا”، فإن مشروع المجلس العسكري قديم متجدد بعد الترويج الكبير له من قبل الإعلاميين والقنوات التابعة لهيئة تحرير الشام مؤخرا، فهو موجود منذ تشكيل غرفة عمليات “الفتح المبين” في عام 2019 ولكن بدون فاعلية، وبعد معركة سراقب واتفاق وقف إطلاق النار في إدلب في آذار (مارس) الماضي، عملت قيادات الميدان على تفعيل فكرة المجلس العسكري الموحد.
ومع عدم دقة أعداد المقاتلين وكم القوة التي قدمتها الفصائل ومن ضمنها هيئة تحرير الشام في معركتي النيرب وسراقب ضمن المعارك الأخيرة، حيث عمل الأتراك منذ ذاك الوقت على تنظيم الفصائل بقيادة المجلس العسكري الذي يضم 6 ألوية تعداد كل لواء 1500 مقاتل، بالإضافة الى 28 كتلة، كل كتلة فيها حوالي 400 مقاتل، وعلى هذا الأساس بدأت بتنظيم دورات تدريبية وإعادة تأهيل وإعداد عسكري، في معسكرين أساسيين الأول في منطقة كفر تخاريم بإشراف الهيئة وفيلق الشام، والثاني في منطقة عفرين بإشراف الجيش الوطني، بحسب الحاج أحمد.
ومن هنا سعت تحرير الشام وعن طريق قائدها العسكري “أبو الحسن 600″ وهو أبرز أعضاء المجلس العسكري، للسيطرة على قرار المجلس، وعملت على تمكين حسن صوفان و”أبو المنذر” من تثبيت نفسهما بقيادة حركة أحرار الشام بعد الانقلاب الذي قاما به ضد قيادتها ومجلس الشورى بدعم منها، كما أنها ضمنت عدم وجود أي منازع لها ومعكر لسياستها من قبل تنظيمات جهادية رافضة لأي اتفاق مع الدول الخارجية.
ويمكن القول إن “تحرير الشام” قد ضمنت لنفسها الهيمنة شبه الكاملة على القرار في محافظة إدلب، وفرض نفسها كطرف لا يمكن لأحد تجاوزه، بل يجب التنسيق معه، وعلى ما يبدو فإن سياستها الحالية تثير اهتمام التحالف الدولي الذي لم يوجه أي ضربة عسكرية لها على غرار تنظيم حراس الدين.