Featuredسياسة

تقاسم النفوذ الروسي السوري الايراني في الجنوب

كتب عبدالله الغضوي

لم يعد خافياً على أحد هدف إيران الاستراتيجي في وجودها بالجنوب السوري، فمحافظتا درعا والقنيطرة القريبتان من إسرائيل، لا يقلان أهمية لإيران من أي موقع جغرافي آخر في سوريا، ويشكلان لها نقطة ارتكاز عسكري وخطا متقدما في المواجهة مع إسرائيل.

إيران وفي سعيها للبقاء في درعا والقنيطرة تؤسس بذلك لمنطقة نفوذ تشابه مواقع حزب الله في جنوب لبنان، وبدأت إيران مشروعها هذا قبيل سيطرة الجيش السوري على محافظة درعا، من فصائل الجنوب التابعة للجيش السوري الحر وذلك من خلال الذوبان داخل القطعات العسكرية المنتشرة في المحافظة، ونشر أسلحتها داخلها، بحجة مساندة الجيش السوري في حربها ضد الفصائل العسكرية هناك، بدعم من ضباط الفرقة الرابعة التي يقودها العميد ماهر الأسد، حتى باتت هي الآمرة الناهية داخل هذه الثكنات.

ولم يقتصر اعتماد إيران في بسط سيطرتها على الميليشيات “الشيعية” التابعة لها كالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وفاطميون، بل أيضاً على ميليشيات محلية درزية تابعة لجماعة سمير القنطار المنتشرة من جبل الشيخ حتى القنيطرة، إلى جانب جماعة سنية متشيعة في درعا يطلق عليها اسم “لواء العرين 313” الذي شكلته إيران من عناصر محلية وأيضا على الاعتماد على مقاتلين ينتمون للطائفة الشيعية في مدينة بصرى الشام وقرية موثيبن القريبة من مدينة الصنمين، كل هذا يهدف خلق جنوب البنان ثانٍ، لكن في سوريا يشمل مدن وبلدات حرفا، حضر، بريقة، الشجرة، سد زيزون وحوض اليرموك، لتمتلك جبهة كاملة بدايةً من رأس الناقورة بجنوب البنان حتى معبر نصيب على الحدود مع الأردن مرورا بتلال إقليم التفاح ووديان جبل الشيخ لتتمكن من نصب مراكز استخباراتية وأجهزة تنص وسطع لجمع معلومات عن إسرائيل، للضغط على الغرب من خلال التهديد بضرب إسرائيل في حال تم تعطيل برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي فقط.

والتوغل الإيراني في سوريا ليس هدفه بدء معركة مع إسرائيل كما تحاول أن تشيع بين مؤيديها، بل فقط لامتلاك أداة ضغط على الغرب بالدرجة الأولى، وتحقيق حلم بتشييع المنطقة لتحقيق الحلم الفارسي بإحاطة الجزيرة العربية من الشمال بالهلال الفارسي ومن الجنوب بالحوثيين، ومن الشرق بالقواعد الصاروخية على الساحل الإيراني وبذلك تكون إيران القوة الأكبر إقليميا، بالإضافة إلى محاولتها مساعدة حزب الله بالسيطرة على طريق تجارة المخدرات باتجاه الخليج من خلال معبر نصيب والحدود الأردنية بالتعاون مع مهربين من درعا.

هدف روسيا في التواجد في الجنوب:

أما روسيا الساعية للبقاء في الجنوب السوري، فلا مصالح اقتصادية لها هناك تدعوها للانتشار أو حتى دعم أي فصيل عسكري هناك، فمحافظة درعا لا تحوي أي من الثروات الباطنية كالنفط والغاز ولا حتى الفوسفات، ولا تطل على أي موانئ، فنجد أن وجودها في ريف درعا وخصوصاً في بصرى الشام وأول أوتوستراد درعا القديم و”اللواء 88″ في الزريقة يقتصر فقط على دعم اللواء الثامن التابع لأحمد العودة للحفاظ على تنفيذ اتفاق 2018 بينها وبين إسرائيل والذي يسمح للجيش السوري بإعادة السيطرة على جنوب سوريا حتى الحدود مع إسرائيل، مع ضرورة إبقاء إيران وحزب الله بعيدين عن الحدود الشمالية لإسرائيل، وذلك من خلال دوريات أو الاعتماد على “اللواء الثامن”، إلا أنَّ هذا الاتفاق فشل بسبب قوة الانتشار الإيراني هناك وتعاون الجيش السوري مع إيران أكثر من تعاونه مع الروس حيث إن اغلب القادة العسكريين والأمنيين السوريين هم من الموالين لإيران وليس للروس.

الجيش السوري يشعر بالشلل
وبالانتقال إلى تحركات الجيش السوري والمنظومة الأمنية في درعا، فهما يستغلان الخلاف بين إيران وروسيا حول التموضع والنفوذ، وذلك بالعمل على التخلص من المعارضين السابقين له ممن كانوا ينتمون للجيش الحر بطريقة الاغتيالات بحجة أنَّ هذا الشخص يتبع لإيران والآخر يتبع لروسيا وتسجيلها ضد مجهول، بالإضافة إلى التشجيع على الفتن بين أهالي درعا بحجة الولاءات.

وفي السياق وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي فقط، 41 عملية ومحاولة اغتيال أدت إلى مقتل 33 شخصا وإصابة 6 آخرين ونجاة 2 من محاولة اغتيالهما، حيث إنَّ القتلى الذين وثقهم المكتب هم 25 مقاتلا في صفوف فصائل المعارضة سابقا، بينهم 15 ممن التحق بصفوف الجيش السوري بعد سيطرته على محافظة درعا في شهر آب (أغسطس) 2018، وضمن القتلى الذين وثقهم المكتب أيضا 27 عملية اغتيال من خلال إطلاق النار المباشر واستخدام العبوات الناسفة و6 عملية من خلال الإعدام الميداني بعد الخطف، وكل هذه العمليات سجلت ضد مجهول.

وتعود قوة الجيش السوري في الجنوب بسبب التواجد الكثيف هناك للواء 40 التابع للفرقة الرابعة بقيادة العميد غياث دلة، والذي يقيم في الضاحية، إلى جانب المخابرات الجوية بقيادة عدنان الأسدي، إلا أنَّه وعلى الرغم من هذا الانتشار إلا أنَّ الجيش السوري وأذرعه الأمنية شبه مشلولة عن القيام بأي عمل عسكري كونها مرهونة بأوامر إيرانية فالقرار الأول والأخير مرتبط بالحاج ولاء الزلزلي ومسؤول التسليح الحاج هادي والحاج هاشم مقيمين حيث لا يستطيع قائد فرقة أو قائد لواء بالجنوب أو حتى رئيس فرع بالتحرك دون إذن منهم (وإلا الموت المفاجئ بانتظاره) فتحول النظام السوري إلى ما بات يسمى خلية اغتيالات تطال المعارضين له.

بالنظر إلى الانتشار الإيراني في الجنوب السوري وصولاً إلى جنوب دمشق فإننا أمام إنشاء (ضاحية جنوبية سورية) في مناطق السيدة زينب وببيلا والقدم والسبينة والحجيرة، وامتداد للجنوب اللبناني في درعا والقنيطرة وإسرائيل والغرب يعلمان تماماً ذلك وكل التقارير والدراسات تؤكد سيطرة إيران بالكامل على الجنوب السوري وإذا لم تتمكن روسيا من إخراج إيران من هذه المنطقة، بمساعدة الفصائل التي تدعمها وعلى رأسها اللواء الثامن، فإننا مقدمون على سيناريو قد يكون كارثياً سواء على الحكومة والجيش السوري من جهة وإيران من جهة أخرى والمتمثل بعملية برية، قد تصل إلى مرحلة معاقبة الأسد شخصياً بسبب دعمه الغير مباشر للتواجد الإيراني في الجنوب، ولربما بشار الأسد موقن باحتمالية حدوث هذا السيناريو، فلذلك هو يحاول أن يوهم القوى الإقليمية وخصوصاً إسرائيل أنَّ الوجود الإيراني هناك خرج عن سيطرته ولم يعد يستطيع وضع حد لهذا الانتشار، وقد يطلب للحفاظ على بقائه في الحكم، من حليفه الروسي العمل على إخراج إيران من الجنوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى