بقعة سورية خالية من كورونا.. يقطنها 10000 مُهجّر
ملفات سوريا (خاص)
بينما يضج العالم بأخبار الإصابة بفيروس كوفيد 19 (كورونا)، والهلع من الموجة الثانية من الفيروس، ثمة بقعة أخرى نجت – حتى الآن- من الإصابة بفيروس، إلا أن هذه البقعة السورية مصابة بأمراض أخرى، منها الجوع والحاجة وفقدان أدنى مقومات الحياة.. الحديث هنا عن مخيم الركبان على الحدود (الأردنية – السورية – العراقية) بطول 15 كيلومتر.
تحدث “ملفات سوريا” إلى مجلس عشائر تدمر والبادية السورية، والعديد من قاطني هذا المخيم، يسردون لنا أحوال هذا المخيم الغائب عن اهتمام المجتمع الدولي، بينما تخضع المساعدات الدولية والمنظمات للتجاذبات السياسية والدولية، في المنطقة المحرمة دوليا على الحدود السورية الأردنية.
يتراوح عدد القاطنين بالمخيم اليوم في المخيم بين ٩٠٠٠ إلى ١٠٠٠٠، إلا أنه ما من رقم واضح وصريح، ذلك أنه لم يتم إجراء أي إحصاء رسمي لساكني المخيم منذ نشأته في العام 2014، حيث يسكن هذا المخيم الأغلبية السنية التي تهجرت خلال القتال بين تنظيم الدولة الإسلامية داعش والجيش السوري، إذ نزح أهالي تدمر والقريتين ومهين من مناطقهم، لتقذفهم الأقدار إلى الصحراء القاحلة.
نتيجة الضغوطات المعيشية على سكان هذا المخيم، اضطرت العديد من العائلات، مغادرة المخيم رغم المخاوف الأمنية من الأجهزة الحكومية السورية، وبحسب إدارة المخيم فإن عدد العائدين إلى منازلهم يقارب حوالي ثلاثين ألف نازح، جرت عودتهم على مدار سنة كاملة.
تركت المنظمات الإغاثية الدولية هذا المخيم دون اهتمام يذكر، باستثناء بعض المساعدات التي كانت تدخل عبر الأراضي الأردنية، التي كانت تدخل بشكل طفيف إلى المخيم حتى حزيران (يونيو) من العام ٢٠١٦ ، إذ ضرب تفجير إرهابي نقطة لحرس الحدود الأردنية، ما دفع الأردن بعد هذه الحادقة إلى التخلي عن المخيم، ومنعت دخول المساعدات من جهتها.
وبعد أن ضربت جائحة كورونا العالم، استنجد مجلس عشائر تدمر المنظمات الدولية للوقاية من الفيروس، وتمت الاستجابة الطفيفة، إلا أنها توقفت آذار (مارس) ٢٠٢٠، ولكن من حسن حظ هذا المخيم، لم يتم تسجيل أية حالات إصابة بفيروس كورونا، ولكن ما يزيد المأساة في هذا المخيم استمرار الموقف الأردني من وقف دخول المساعدات عبر أراضيه، حيث قال وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في أكثر من تصريح صحفي إن مخيم الركبان يقع على أرض سوريا، ونحن لا نسمح بمرور أية مساعدات لمخيم الركبان عبر أراضي المملكة الأردنية، دون تحرك من المعارضة السورية التي تربط بعض شخصياتها علاقات جيدة بالمملكة الأردنية.
توقفت المساعدات الإنسانية عن هذا المخيم منذ شباط (فبراير) العام ٢٠١٩ على الرغم من الاحتياجات المتزايدة لهذا المخيم من احتياجات مدرسية وطبية وغذائية، لا تقوى بعض العائلات على تأمينها بسبب تردي الأوضاع وعدم وجود من يساعدها خارج المخيم.
جيل من الأمية
لا تنتهي مشاكل ومآسي مخيم الركبان عند الحاجات الغذائية والطبية وغيرها، بل أكثر ما يهدد هذا المخيم وجود جيل من الأطفال، الذين لا يزاولون مقاعد الدراسة كما غيرهم من الأطفال، وبسبب تراجع كل الجهات عن دعم هذا المخيم، خصوصا الأطفال، قررت إدارة المخيم الاعتماد على ذاتها، وتسخير بعض الشباب المتعلمين؛ من أجل تقديم الدروس لأطفال المخيم بالاعتماد على منهاج الأمم المتحدة.
أما المدارس في هذا المخيم، فهي عبارة عن غرفٍ طينة وهناك مدارس صفية ببعض مناطق المخيم؛ لأن المخيم يمتد على مساحة كبيرة قد تصل الى ١٥كم مربع، فيصعب على بعض الأطفال الالتحاق بالمدارس، وخاصة في حال هطول الأمطار خوفا من السيول، إذ إن الطرقات ترابية، حيث يخشى الأهالي على أطفالهم، بينما تفتقد هذه الغرف الطينية إلى التدفئة، فهم يعانون معاناة قاسية خلال الحصول على التعليم، لذا فالبعض منهم لا يذهب بسبب سوء الظروف.
يختتم المتحدث إلى “ملفات سوريا” بأن هذا المخيم على ما يبدو محكوم عليه بالموت، فالأمم المتحدة غير مهتمة بالقيام بواجباتها تجاه المخيم، بينما الدول الإقليمية تغلق حدودها بوجه دخول المساعدات الإنسانية للمخيم، في الوقت الذي يحاصر الجيش السوري المخيم، ويمنع دخول المساعدات، وحتى أنه يمنع دخول المواد الغذائية والطبية، من أجل الضغط على ساكني المخيم وإجبارهم على العودة لكسب ورقة اللاجئين، لكن أهالي المخيم فضلوا – ما تبقى منهم- البقاء في حالة الجوع والعوز على العودة إلى مناطق يسيطر عليها الجيش السوري في الداخل، إلا بعد الانتقال السلمي للسلطة ومغادرة الأجهزة الأمنية التي يخشاها كل من يسكن هذا المخيم، فالعودة بالنسبة لهم الموت السريع، بينما البقاء في المخيم يتصف بالموت البطيء.
أما السبب القاهر للعودة، فهو سيطرة الميليشيات الإيرانية وحزب الله على منازل هؤلاء النازحين، بينما الجزء الآخر انتهى كليا؛ بسبب التدمير بالقصف وخلال المعارك، إذ باتت الصحراء المأزى الأخير لما يقارب 10000 نازح سوري في قلب الصحراء.