قراءة في “القوة الناعمة في المنطقة العربية”
رصد ومتابعة
ثمة فرق كبير بين سياسة الجمهوريين والديموقراطيين في الولايات المتحدة الأمريكية، أو بشكل أدق الاختلاف بالوسائل حسب تعبير الكثير من السياسيين الأمريكيين أنه لا خلاف بين الحزبين سوى بالوسائل والأدوات وليس بالأهداف.
وفي عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بدا ظهوراً واضحاً لمنظرين أمريكيين مثل “جوزيف ناي” يميلون إلى اتباع القوة الناعمة في السياسة الأمريكية، أو ما يسمى في بعض الأحيان سياسة الاحتواء، وهو بالفعل ما اتبعته إدارة كلنتون مع النظام الإيراني، فيما وجه الجمهوريون اللوم إلى الديموقراطيين على هذه السياسة التي ساعدت على تمرد إيران ضد المجتمع الدولي.
في كتابه الشهير “القوة الناعمة” الصادر في العام 2004؛ دعا “جوزيف ناي” الذي كان مساعدا لوزير الدفاع في حكومة “بيل كلينتون” ورئيس مجلس المخابرات الوطني كتابه إلى تزاوج “القوة الصلبة” مع “العسكرية”، بهدف تقوية مصالح أمريكا في كل أرجاء العالم، معتبراً القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية.
وعرف “ناي” القوة الناعمة بأنها استخدام القوة كوسيلة للإقناع، والقدرة التي من خلالها يتم الحصول على النتائج التي يريدها المرء، أي قدرة طرف ما على التأثير والجذب تجاه الطرف الآخر، دون استخدام أي شكل من أشكال العنف.
ويرى “ناي” أن بمقدور القوة الناعمة جعل الناس أو الدول ترغب فيما أنت راغب به، وألا تستخدم القسرية أو الإغراء لجعلهم يتبعونك، بمعنى القدرة على قوة الجذب والإقناع بدلا من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة، ما يجعلها وسيلة ناجحة في السياسة الدولية، وأداة لمعالجة الأزمات والتحديات الدولية التي تواجه الدبلوماسية الرسمية، وإنشاء التحالفات الدولية، وسلاح مؤثر يحقق الأهداف عن طريق الجاذبية عوضا عن الإرغام ودفع الأموال.
وأشار “ناي” إلى مصادر القوة الناعمة عند أمريكا، حيث إنها أكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم، وفيها أكثر من 86 ألف باحث أجنبي، وتمثل المرتبة الأولى بحصاد جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والاقتصاد، وتتصدر البلدان التي تنشر كتبا على مستوى العالم.
بمقدور القوة الناعمة جعل الناس أو الدول ترغب فيما أنت راغب به، وألا تستخدم القسرية أو الإغراء لجعلهم يتبعونك، بمعنى القدرة على قوة الجذب والإقناع بدلا من إجبار الدول على اتباع سياسات معينة
وترتكز القوة الناعمة حسب “ناي” على ثلاثة موارد: الثقافة الجذابة وهي مجموعة القيم والممارسات التي تخلق معنى للمجتمع، وتتمثل في الأدب والفن والتعليم والثقافات الشعبية، والمورد الثاني يتمثل في جاذبية السياسات الحكومية في الخارج، فالسياسة الحكومة لأي بلد تعزز قوتها الناعمة أو تبددها، وتظهر جلية في رفض الأمريكيين لـ”القوة الصلبة” التي أظهرتها الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على العراق وفيتنام.
أما المورد الثالث للقوة الناعمة، فيتمثل في جاذبية السياسات الحكومية في الداخل، كسياسات الفصل العنصري التي أفقدت الولايات المتحدة الأمريكية شيئا من رصيدها.
ويعدد “ناي” أنماط القوى المستخدمة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والعالم وهي: القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة الناعمة، فيما يفصل أن القوة العسكرية تعتبر نمطا قسريا، فيما تعتمد القوة الاقتصادية على المساعدات والعقوبات، وتلجأ القوة الناعمة للدبلوماسية العامة والثنائية والمتعدة الأطراف.
ولفت “ناي” في كتابه إلى أن القوتين الصلبة والناعمة تعزز كل منهما الأخرى، فمثلا البلد الذي يحاول كسب الشعبية، قد يكره ممارسات قوته الصلبة عند ضرورة ذلك، لكنه سيضطر لاستخدامها، وتعتبر حرب العراق مثالا لتداخل القوتين الصلبة والناعمة، حيث كان “دونالد رامسفيلد” يظن حينها أن الناس ترى في الولايات المتحدة الأمريكية نمرا عملاقا ضعيفا عاجزا، فصمم على تغيير هذه الصورة، فكان انتصار أمريكا في حرب الخليج عاملا مهما في سير اتفاقيات السلام في الشرق الأوسط.
وفي الختام استدل “ناي” على تميز أمريكا بقوتها الناعمة بعدة مؤشرات ومنها أنها أكبر بلد استقطابا للمهاجرين، كما تعد أمريكا أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج، بالإضافة إلى أن 1.6 مليون طالب مسجلين خارج بلادهم، كما أن 86 ألف باحث أجنبي يقيمون في مؤسسات تعليمية أمريكية.
” ناي” أستاذ في العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة “جون كيندي” الحكومية في جامعة هارفارد، من مؤسسي مركز الدراسات الليبرالية الجديدة في العلاقات الدولية، وعضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، مبتكر مصطلح القوة الناعمة، وله عدة مؤلفات منها: قوة القيادة، القوة الناعمة، فهم النزاع الدولي، وثبة نحو القيادة.