Featuredمجتمع

“أبو عادل” .. السوري الذي يلخص مؤتمر اللاجئين!؟

جوليا العبد (دمشق)

صباح افتتاح المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين اليوم الأربعاء 11/11/2020 في دمشق وأثناء إلقاء الكلمات الافتتاحية للوفود المشاركة في المؤتمر، يمر على أبو عادل خمس ساعات يقضيها وهو ينتظر دوره للحصول على ربطة خبز من الفرن المجاور لمنزله الذي اضطر لاستئجاره منذ العام 2012، ومن ثم يتوجه إلى عمله في إحدى محلات النجارة.

يستذكر أبو عادل ما حدث معه في مثل هذا اليوم من عام 2012 ويقول: لا يمكن أن أنسى تاريخ هذا اليوم، فقد تهجرنا أنا وزوجتي وأبنائي الثلاثة من بيتنا في ريف دمشق، وتركنا كل شيء خلفنا، بعد ليلة طويلة من القصف المتواصل قضيناها في ملجأ أحد الأبنية.

أبو عادل الذي فقد ابنه البكر عادل الطالب المتفوق في كلية الطب، وذلك بعد اعتقاله بتهمة الإغائة من قبل فرع أمن الدولة، واضطر إلى إبعاد ابنيه الآخرين خوفاً من التجنيد الإلزامي والملاحقة الأمنية، لا يكترث بشعارات واتفاقيات مؤتمر اللاجئين، فما يعيشه من ألم وغصة وتعب بشكل يومي في تأمين قوت يومه، يتلاشى عند عودته مساءً من عمله وجلوسه مع زوجته وإجراء الاتصال الروتيني لسماع صوت ولديه وأخبار نجاحهما في بلاد اللجوء في وقت لا تستطيع فيه الحكومة تأمين رغيف الخبز، والوقود للمواصلات العامة والتدفئة، والانهيار المتواصل لشبكة الكهرباء صيفاً شتاءً، كيف أستطيع تحمل عودة أبنائي إلى بلد أعلى أجر فيه يعادل 50 دولاراً، في حين أنهم الآن يعيشون في دولة تحترم إنسانيتهم وإمكانياتهم، ويلتفتون إلى علمهم وتطوير مداركهم بدلاً من الانشغال بلقمة العيش، هكذا يجيب أبو عادل بعينين واثقتين عند سؤالنا له حول رأيه بالمؤتمر الدولي للاجئين الذي بدأ في دمشق بهدف عودة اللاجئين لوطنهم.

ويضيف أبو عادل بحرقة: صفقات تقسيم ملفات إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية ما هي إلا حبر على ورق، فليس المال هو ما ينقص الحكومة السورية للنهوض بالخدمات، ذلك أن الكرامة وقيمة المواطن لا تشكل أولوية في النظام الحالي، لأن ذهنية الفساد والعصابات التي تقود الاقتصاد هنا في سوريا هي الثقافة الوحيدة، ويجتمعون اليوم لاستغلال قضية اللاجئين لتحصيل أموال إضافية، فلم يعد يكفيهم ما يأخذونه من جيب المواطن السوري الذي أصبح طفران على حد تعبيره.

يتابع أبو عادل وهو ينتظر مجيء التيار الكهربائي المقطوع منذ ما يقارب الثلاث ساعات: يوماً بعد يوم تظهر الأزمات التي خلفها نظام المافيات المتحكم في البلد على السطح، وتشكل كل صورة تلتقط بهاتف الموبايل صورة آنية لأشكال متعددة من المعاناة الإنسانية تعبر عن جوهر واحد وهو الذل الذي نتعرض له، ففي فترة سابقة كان الذل محصوراً في الأقبية الأمنية وهو ما أودى بحياة ابني لأنه ساعد في إيصال المساعدات الغذائية والملابس الشتوية لأطفال الغوطة الذين هجروا وتعرضوا لاقسى درجات العنف، واليوم أصبح الذل في الطرقات وعلى الأفران وفي أماكن العمل، من سيضمن لي حياة كريمة لما تبقى من عائلتي، وكيف سيستطيعون الإجابة على أسئلة أبنائهم في المستقبل عندما يسألون عن سبب موت عمهم وهو في زهرة شبابه.

لا تنتهي المعاناة التي يتعرض لها الشباب السوري بمرسوم البدل العسكري الذي صدر في الأسبوع الماضي، ولا ضمان بعض الدول بانتهاء الوضع الأمني سيشجع اللاجئين للعودة، ذلك أن الثقة المفقودة بين النظام الحالي والشعب السوري بما فيه مؤيديه ومعارضيه باتت معدومة، ولا خطوات فعالة على أرض الواقع لإعادة هذه الثقة كما أخبرنا أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي في جامعة دمشق، ويستكمل قائلاً: غياب الثقة هذا يجعل العديد من اللاجئين وخاصةً في الدول الأوروبية لا يفكرون في العودة أو حتى شراء منزل في وطنهم، وما يربطهم بالوطن هو ما تبقى من عائلاتهم لا أكثر.

لقد تحولت سوريا من دولة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية إلى دولة فقيرة إنتاجياً، فهي اليوم تعلن إفلاسها في مجالات عديدة، وقد قدمت كل ما يمكن أن ينعش الاقتصاد السوري على طبق من ذهب لرد الدين للدول التي ساندتها في حربها الداخلية ضد أبناء البلد، فمن مشاريعها الزراعية والتي قضى عليها الإهمال وسياسات التصدير، إلى سيطرة الروس على الموانيء وتقاسمهم لمخزون العناصر الخام في الأرض السورية مع إيران كالفوسفات وغيره، ومن جهة أخرى سيطرة اميركا على النفط الخام ومحاصيل القمح، لم يعد هناك موارد مالية لخزينة الدولة سوى المال القادم من الخارج.

تستفيد الحكومة وعلى مدار سنوات من القطع الأجنبي الذي يحول إلى شركات الصرافة والذي تحوله هذه الشركات بدورها إلى البنك المركزي وتعطي قيمته بالليرة السورية حسب نشرات السعر الرسمي للصرف لمستحقيه، ورغم صغر المبالغ المرسلة من اللاجئين إلى عائلاتهم بغية مساعدتهم في ظل تدهور الليرة والغلاء الفاحش الذي يزداد يومياً دون حسيب أو رقيب إلا أن عدد العائلات التي تعتاش على هذه الحوالات ليس بقليل أبداً، وهذه المبالغ هي ما يشكل الحركة الاقتصادية في السوق، إذ إن الأجور المتدنية التي تمنحها الدولة بقطاعيها العام والخاص لا تستطيع سد رمق عائلة صغيرة لمدة يومين، إلى جانب العملة الأجنبية التي يقدمها اللاجئين كرسوم تعتبر مرتفعة في القنصليات والمكاتب التابعة للدولة السورية عند إجراء أي معاملة لهم في الخارج.

ويؤكد خبير اقتصادي رفض ذكر اسمه لـ “ملفات سوريا” أن مساعي هذا المؤتمر لا تريد الضغط على الدول الكبرى المستضيفة للاجئين السوريين، بل تريد قوننة عطايا النظام للدول الحليفة على أنها مساعدات، وكل ما يمكنه فعله هو التوقيع على اتفاقيات جديدة والضغط على حكومات الدول المجاورة مثل لبنان بسبب عدم قدرة هذه الدول على تقديم أي شيء يذكر للاجئين السوريين، بسبب تشابه شكل الأنظمة فيها مع النظام السوري، وهي دول لا تستطيع تزويده في كل الحالات بموارد مالية لخزينته، وهو اليوم يستغل الأعداد والصعوبات الاقتصادية التي تتعرض لها هذه الدول ليزيد رصيده المالي لا أكثر
لا مجال عند أبو عادل وعائلته كما أخبرنا للتفكير بإمكانية عودة أبنائه من بلاد اللجوء إلى وطن لا يحترمهم، كيف سيقايضون نجاحهم وشعورهم باحترام ذاتهم الفعالة في المجتمع والحياة مقابل وطن يختلق الأزمات المعيشية بحجة الحصار وقبله شماعة الحرب وقبلها شعارات الصمود في وجه كيان الاحتلال الاسرائلي، ليلهي الشباب عن المطالبة بحقوقهم البسيطة، ويشغلهم عن التفكير بالحريات وبحق الحياة الكريمة عبر قرارات وممارسات جعلت من الإنسان السوري يركض لتأمين مستلزمات أولية وبديهية، ونسيان كل ما هو جوهري وحقيقي في حياة الفرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى