Featuredسياسة

التحالف و”هتش” يتفقان على “حراس الدين”

أحمد إبراهيم (إدلب)

كثف التحالف الدولي مطلع العام الحالي، من استهداف قادة وعناصر غير سوريين “مهاجرين” من الجناح المتشدد ضمن تنظيم “حراس الدين”، بالتزامن مع عدة عمليات أمنية نفذتها هيئة “تحرير الشام” استهدفت ذات الجناح، بهدف تفكيك التنظيم العاق من وجهة نظر هيئة “تحرير الشام”.

بعد تصاعد عمليات الاستهداف للجناح المتشدد ضمن “الحراس” من قبل التحالف، تحاول الهيئة استغلال ذلك للتأثير أكثر في بنية التنظيم، فوضع عناصره أمام خيارين، إما الطريق إلى سجن الهيئة أو الموت تحت صواريخ التحالف، ففضلوا الخيار الأول حتى باتوا يكشفون ويسربون معلومات عن أماكن تواجدهم ليتم اقتيادهم إلى سجون الهيئة التي لم يطالها القصف حتى الآن، على أمل أن يخرجوا لاحقاً بصفقات ومبادلات.

وكانت آخر العمليات في 15 تشرين الأول 2020، حيث تمكنت طائرة مسيرة تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية من قتل أحد أبرز الشرعيين ضمن تنظيم “حراس الدين” أبو ذر المصري”، عن طريق استهداف السيارة التي كانت تقله مع زوجته وابنه على مفرق بلدة حفسرجة غرب مدينة إدلب، والذي سبق أن كان قاضيا ومرجعية كبيرة ضمن صفوف “جبهة النصرة”، هيئة “تحرير الشام” حاليا.

ويرى عرابي عبد الحي عرابي الباحث في الجماعات الجهادية بمركز جسور في حديثه لـ “ملفات سوريا” بأن التيار المتشدد يعتبر منافس حقيقي للهيئة، وربما ينفصل عن التنظيم، ما يولد احتمالية تأسيس تنظيم جديد مبايع للقاعدة، كما حدث سابقا في عام 2019 بمحاولة انقلاب التيار المتشدد على قادة التنظيم وسياسته، والقضاء على باقي التيارات، وبالتالي تريد الهيئة أن تستغل الفرصة وتفكك التنظيم، وألا يبقى له تأثير من الممكن أن يعكر حضورها وسياستها وعلى الاتفاقيات والتفاهمات التي وصلت إليها لمحاولة قبولها دوليا.

شكل اعتقال “أبو عمر منهج” أحد المؤسسين للتنظيم في 28 حزيران الماضي من قبل هيئة “تحرير الشام” في بلدة عرب سعيد مسقط رأسه ومقر تمركزه، نقطة تحول ضمن دائرة التأثير والعناصر، الذين قرأوا عدم جدية قيادة التنظيم بالتعامل مع اعتقاله والتي اقتصرت على البيانات والمطالبات، بأنها عملية تخلي عن القيادات، بحسب عرابي.

خبير في الجماعات “الجهادية”: تريد الهيئة أن تستغل الفرصة وتفكك التنظيم، وألا يبقى له تأثير من الممكن أن يعكر حضورها وسياستها وعلى الاتفاقيات والتفاهمات التي وصلت إليها لمحاولة قبولها دوليا.

وبعد أن لاحظت “تحرير الشام” عدم وجود ردة فعل قوية على اعتقال أبو عمر، بدأت بالفعل بحملة اعتقالات أكثر تنظيما وقوة وتأثيرا، ولذلك بدأت بالقيادات من الصف الثالث ومن ثم القيادات الميدانية حتى وصل بها الأمر إلى اعتقال “أبو عبد الرحمن المكي” أحد أعضاء مجلس شورى التنظيم في الخامس من شهر تشرين الأول، برفقة القيادي خلاد الجوفي.

وخلال حملاتها السابقة عملت “تحرير الشام” على مصادرة السلاح الثقيل الذي يملكه “الحراس”، واقتصار تسليح عاصره والذي يصل عددهم إلى 1500 عنصر 40% منهم “مهاجرين” على رشاشات متوسطة وأسلحة فردية وذخائر أخرى غير ثقيلة على أكبر تقدير.

تشكل تنظيم “حراس الدين” على يد جهاديين بارزين كانوا سابقا ضمن صفوف جبهة “فتح الشام”، على خلفية فك ارتباطها بالقاعدة وتشكيل هيئة “تحرير الشام” في كانون الثاني (يناير) 2017، فظهر تيار عسكري مناوئ يحمل الفكر الجهادي المتشدد والذي انقسم لاحقا إلى عدة أجنحة أنتجتها الظروف الميدانية والمشاكل التنظيمية وتغلغل الذراع الأمني لهيئة “تحرير الشام” ضمن صفوف التنظيم.

وقسَّم عرابي العرابي تلك الأجنحة إلى ثلاثة، وهي جناح “أبو همام الشامي” وهو أمير الحراس، ذو الفكر التنظيمي العسكري الذي لا يحاول مواجهة الهيئة وليس لديه مانع من الاتفاق معها، وجناح آخر يقوده الشرعي سامي العريدي المتشدد فكريا وهو من أعضاء مجلس الشورى، ويضاف لهما جناح من العناصر المتطرفة التي ترى أنَّ الهيئة ابتعدت عن الدين ويجب مقاتلتها، ولكن بسبب ارتباط القيادات بتعهدات مع الهيئة لم تتمكن هذه العناصر من إقناع الجناحين السابقين بالقتال.

فمن الملاحظ في الوقت الحالي عدم وجود أي ردة فعل قوية كما هو معهود عن التنظيمات المتشددة إزاء عمليات الاعتقال التي تطال قيادييها، فيشهد تنظيم “الحراس” حالة من الانطواء في ريف إدلب الغربي، وخاصة منذ توقيع اتفاقيات الصلح مع هيئة “تحرير الشام” بعد الاشتباكات التي دارت بينهما بمنطقة عرب سعيد غرب إدلب في حزيران (يونيو) الماضي، وفرضت إغلاق مقرات “الحراس” في المنطقة بالقوة.

وعلى ما يبدو فإن “تحرير الشام” ماضية في سياستها الأمنية الرامية لتفكيك “حراس الدين” تدريجيا، دون الالتفات الى المبادرات الداعية لجلسات صلح وتحكيم، آخرها رسالة “أبو محمد السوداني” أحد الوجوه الاجتماعية داخل “الحراس”، والتي جاءت تحت عنوان “تجديد الخطاب للهيئة” طالبا فيها الامتثال للقضاء الشرعي عند “أبو قتادة الفلسطيني” على وجه التحديد، وهي الرسالة الثانية خلال الأسبوع الماضي، بعد رسالة عنونها “شرع الله يفصل بيننا وبينكم”.

مقاتلون في شمال غرب سوريا (Getty)

وتحديد “أبو قتادة الفلسطيني” على وجه الخصوص ليكون قاضيا يعود لكونه يعتبر من المقربين لهيئة “تحرير الشام”، وهو ضد “أبو محمد المقدسي” الذي كفر الهيئة مؤخرا وهو أبرز منظري السلفية الجهادية الذي كان فيما مضى مرجعية لعملياتها، ولذلك أراد ان يوجه رسالة بان “حراس الدين” مستعدين للاحتكام لدى من تقبل الهيئة بمرجعتيه وأنه قريب من خطها الفكري الآن بحسب عرابي عبد الحي عرابي.

يشكل تنظيم “حراس الدين” عثرة في طريق هيئة “تحرير الشام” الساعية لفرض نفسها كسلطة أمر واقع في إدلب، يمكن التعامل معها وقبولها خارجيا، على الرغم من وجود تنظيمات تميل الى الفكر الجهادي وتضم عناصر “مهاجرين”، كجماعة أنصار التوحيد ويقوده عسكريا خالد خطاب الذي كان سابقا قائدا عسكريا لـ “جند الأقصى”، وأيضا “جماعة أنصار الإسلام” و”جبهة أنصار الدين”، إلا ان هذه الجماعات تسلك مسارا لينا بعيدا عن عداء الهيئة والتشاكل معها.

وبسبب تقاطع مصالح التحالف الدولي مع هيئة “تحرير الشام”، تتجه الأمور إلى مزيد من التضييق والمطاردة لقيادات “حراس الدين”، خصوصاً الشرعيين منهم، وهنا تضع “تحرير الشام” في دائرة الاتهام الجهادي، باعتبارها بشكل أو بآخر أحد الرابحين من تقزيم “حراس الدين” في الشمال السوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى