Featuredتصريحات و حوارات

حرب ناعمة تديرها إيران شرق سوريا

أحمد إبراهيم (ملفات سوريا)

تعمل إيران عن طريق المليشيات التابعة لها في شرق سوريا على ترسيخ أفكار وأيديولوجيات جديدة داخل العائلة السورية، فتحرص على التغلغل ضمن تركيبة المجتمع السوري، وتعتمد على استراتيجية مبنية على صناعة محيط ديمغرافي ملائم لبقاء طويل الأمد.

وتقوم استراتيجيتها على عدة محاور، تسمح لها بالتمدد بين مختلف مكونات المجتمع، بشكل مخطط ومدروس، فتعمل بالتزامن مع الجانب العسكري على نشر الفقه الشيعي وتعميمه تدريجيا ما يتيح لها السيطرة على عقيدة السكان.

بناء الحسينيات

خلال العام الجاري(2020) وعن طريق منظمات وجمعيات وأهمها منظمة” جهاد البناء” الإيرانية، التي افتتحت مكتبا لها بوقت سابق في مدينة البوكمال قرب مبنى البريد وسط المدينة بريف دير الزور الشرقي، انتهت المليشيات الإيرانية من بناء قبة فوق أحد الينابيع بريف مدينة الميادين ويسمى “نبع علي” متخذة إياه مزارا شيعيا، ومدعوما من قبل ما يعرف بمزارات آل البيت، بحسب أحمد رجب (اسم مستعار) مطلع على النشاطات الإيرانية ميدانيا شرق سوريا بحديثه مع “ملفات سوريا”.

وبحسب أحمد رجب، فقد بدأت المليشيات الإيرانية ببناء “حسينية” جديدة في قرية “حطلة” غرب دير الزور، بدعم من منظمة “بناء الجهاد”، وأوكلت مهمة حراستها وإدارتها إلى أحد المنتسبين لها من أبناء القرية، كما أعادت نفس المنظمة “جهاد البناء” ترميم أحد مساجد بلدة “الصالحية” غرب دير الزور ليكون “حسينية”.

ومنذ تغلغل المليشيات الإيرانية شرق سوريا بعد طرد تنظيم داعش منها، وهي تعمل على تحويل ابنية مدنية سكانها مهجرون أماكن لممارسة الطقوس الدينية الشيعية، ومن ثم العمل على تحويل عدة مساجد إلى حسينيات بشكل أوسع، بحسب الرجب.

الحسينيات موجودة قبل الحرب في سوريا، وتمارس شعائرها بكل حرية، أعمال التشيع في المنطقة الشرقية عموما ليست نابعة عن عقيدة أو دين لدي المتشيعين، بل لسوء أحوال هؤلاء المنتسبين ( المتشيعين)، فالتجربة خير برهان وهو ما حصل في بعض مناطق الرقة قبل الأحداث عندما قام المتشيعين بهدم الحسينيات في مناطقهم، وذالك لتأخر مستحقاتهم لقاء تشيعهم.

العنصر النسائي

فعن طرق دورات تدريبة دينة تعتمد على المذهب الشيعي، تنظمها جمعيات إيرانية شرق سوريا، في مدن دير الزور والميادين والبوكمال، تسعى إيران الى تجنيد العنصر النسائي، وهو العنصر الذي يسهل اللعب على عاطفته، بحسب أحد رجال الدين السنة من المناطق الشرقية من سوريا رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية في حديثه مع “ملفات سوريا”.

وأضاف رجل الدين أن زرع ثقافة الولاء لنظام الخامنئي في طهران، هدفه ترسيخ أفكار وإيديولوجية جديدة داخل العائلة السورية، عن طريق الولوج الى عقيدة ربة الاسرة، ويتم ذلك عن طريق مدرسات تم استقدامهن من إيران لهذا الغرض.

 

تجنيد مقابل المال

تسعى المليشيات الإيرانية شرق سوريا بحسب الباحث في الشأن السياسي والعسكري السوري عرابي عبد الحي عرابي لـ”ملفات سوريا” الى استقطاب أبناء المنطقة الشرقية في سوريا عبر سياسة التجنيد بالمال، عن طريق دفع رواتب مغرية لمن في وضعهم المعيشي، تتراوح بين 150 $ وحتى 300$ شهريا، حسب مكان خدمته إن كان يرابط في بلدته أو على خطوط القتال.

وأفادت مصادر محلية من دير الزور لـ”ملفات سوريا” بأن مليشيا “فاطميون” الأفغانية إحدى المليشيات الإيرانية في سوريا، قد خرجت دفعة جديدة من المنتسبين المحليين في صفوفها الشهر الفائت، وكانت قد فتحت باب الانتساب خلال شهر تشرين الأول(أكتوبر) الفائت، وقد ركزت في حملتها على صغار السن.

وذكرت المصادر أن مليشيا فاطميون قد نقلت كافة المنتسبين الجدد في صفوفها إلى مقر قيادتها الكائن في بناء مدرسي بالقرب من إدارة المركبات في دير الزور، بعد اخضاعهم لدورات تدريبية عسكرية ودينية عقائدية، وكذلك فحوصات عديدة عن طريق مترجمين إيرانيين يتكلمون اللغة العربية والفارسية بطلاقة.

وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة من البوكمال إلى منطقة الصالحية لا يوجد أحد من سكانها سوى 5% أو أقل وغالبيتهم من الطبقة المتوسطة ماليا، ويتمتعون بأيدلوجية سنية قوية جدا وأغلب المتواجدين هناك لا يرسلون أولادهم إلى الميلشيات إن وجدت أساسا.

أما المناطق من الصالحية الى منطقة الرقة فأغلبيتهم من الفقراء، فإن أكثر أعمال التشيع تقع ضمن هذه المناطق ليس فقط دينيا، بل عسكريا هم أكثر المنتسبين للميلشيات من أبناء هذه المناطق، ولهم تجربة سابقة في هذا المجال وخصوصا المناطق الواقعة بين الميادين والرقة.

تعميم الشعائر الشيعية

من أهم الاستراتيجيات التي تتبعها المليشيات الإيرانية في الترويج للمذهب الشيعي، رفع الأذان على الطريقة الشيعية، ونشر الأعلام واللافتات التي تحوي عبارات ورسومات خاصة بالشيعة في أحياء المدن ومفارقها والأماكن البارزة فيها، وكذلك التركيز على اللباس الذي يعرف به رجال الدين الشيعة بالعمائم البيضاء والرداء الأسود، بحسب عرابي عبد الحي عرابي.

وفي وقت سابق عملت المليشيات الإيرانية على تغيير أسماء بعض الأحياء داخل المدن والبلدات شرق سوريا، إلى أسماء ذات رمزية لدى الشيعة، كتغير اسم شارع “أنس بن مالك” في مدينة الميادين إلى شارع ” الإمام الخميني” وشارع الجيش إلى شارع “العباس”، لتشكيل حالة قبول ورافد لها في مناطق سيطرتها.

رسم مستقبل الطلاب

منذ صغرهم تعمل المليشيات الإيرانية عن طريق 6 مدارس يطلق عليها “أهل البيت” التي أنشأتها في محافظة دير الزور إلى تنشئة الأطفال على تعاليم المذهب الشيعي، وترسيخه في مخيلتهم لكسب ولائهم مستقبلا، ولذلك عمدت إلى تبني العديد من الطلاب وإرسالهم الى إيران لإكمال دراسته في مدارسها، وخاصة التي تدرس الفقه الشيعي، بحسب عرابي.

تخوف وفرار

فر حسين الهويان 22 عام من مدينة الميادين شرق سوريا منذ ثلاثة أشهر، وسلك عدة طرق ودفع ما يزيد عن 1500 دولار أمريكي للمهربين، حتى تمكن من الوصول إلى الأراضي التركية حيت يتواجد أقارب له، وفي حديثه لـ”ملفات سوريا” أوضح بأن شرق سوريا مع وجود المليشيات الإيرانية أصبح شبيها بالجحيم لسكان المنطقة.

سوء في المعاملة لمن لا ينضم للمليشيات، تقيد للحرية الدينية، وتدني مستوى الدخل مع تراجع الزراعة في منطقة أنهكتها الحرب هي حقائق دفعت حسين الهويان لاتخاذ قرار الفرار إلى تركيا، وأضاف ” من يستطيع من أبناء المنطقة تأمين المبلغ اللازم للرحيل فلن يتأخر، باستثناء من تم التأثير عليهم وأقناعهم بالانضمام للمليشيات الإيرانية ومنح امتيازات”.

وبالتالي فإن تركيز إيران ينصب على عدة فئات من المجتمع في وقت واحد، ابتداء من الطلاب إلى المقاتلين والنساء والوجوه العشائرية التي تستميلها المليشيات الإيرانية وتعلم أهميتها في تركيبة المنطقة، لترسيخ الحضور الحالي لها ونشر الدعاية الإيرانية بدعم من عنصر قتالي محلي يدافع عن عقيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى