“ملفات سوريا” تفتح تفاصيل ملف عصيان “داعش” في سجن غويران
مزكين غورسيه (القامشلي)
أعادت حالة العصيان الأخيرة في سجن غويران أو كما يعرف بسجن الصناعة، التفاصيل الكامنة في حالة العصيان المستمرة لمدة ثلاثة أشهر متواصلة في الكتلة الرابعة بذاك السجن، والتي انتهت بحفر خندق بعمق أربعة أمتار وطول عشرين مترا، وأثارت أسئلة عن مدى قدرة عناصر التنظيم على إعادة هيكليتهم الخاصة ضمن السجون رغم الحراسة المشددة المطبقة هناك، وموضوع خطر عناصر تنظيم “الدولة الإسلامية” المحتجزين إلى الواجهة.
يفتعل عناصر “داعش” عمليات شغب في محاولة للفرار والعصيان في سجونهم بشكلٍ متكرر، وأعنفها كان قبل 3 أشهر في سجن غويران، المؤلف من أربع مبانٍ مترابطة منفصلة إدارياً، حينها تدخلت فرق خاصة من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وتمكنت من السيطرة على الوضع في 3 مبانٍ فقط، ليبقى المبنى الرابع خارج السيطرة إلى ما قبل تاريخ التاسع من أيلول الجاري.
دولة داخل السجن
أكدت مصادر خاصة لـ “ملفات سوريا” أن حراس السجن لم يدخلوا المبنى الرابع والذي يضم قرابة 1500 عنصر غالبيتهم من الأجانب، لثلاثة أشهر متواصلة، وكان تقديم الطعام والشراب يتم من البوابة الرئيسية، والمراقبة الوحيدة للعناصر كانت عن بعد وعبر طرق خاصة، كون كاميرات المراقبة دمرت خلال العصيان الأول.
وبعد اكتشاف إدارة السحن حفر الخندق، تدخل حراس السجن الذين تمكنوا من إخلاء المبنى الرابع بشكلٍ كامل بعملية استمرت قرابة ثماني ساعات وسط انتشار كثيف للقوات الخاصة التابعة لـ “قسد” في محيط السجن
وبحسب المعلومات، فإن عناصر “داعش” مهدوا لهذه الظروف للتمكن من الفرار، عبر عمليات حفر نفق بعمق 4 أمتار وطول 20 متراً، باستخدام قضبان حديدية تمّ إزالتها من الأسِرّة الموجودة في المهاجع، حيث أخفوا التراب الناتج عن عملية الحفر في أكياس صنعوها من الأغطية المخصصة لهم ووضعوها مكان الأسرة بطريقة لا تثير الشكوك، إلا أنهم اصطدموا خلال الحفر بالسور الإضافي للسجن، والمبني من الإسمنت المسلح، الذي شُيد في وقت سابق تحسباً لأي عمليات من هذا القبيل.
اكتشف عناصر الحرس عمليات حفر النفق، بعد ثلاثة أشهر عبر تتبع أصوات الحفر خارج المبنى على مقربة من السور بواسطة أجهزة التقاط الأصوات المتطورة والذين حاولوا خلال الأشهر الثلاث الماضية، الدخول إلى المبنى عدة مرات، إلا أنَّ تجنب استخدام العنف المفرط حال دون ذلك.
وبعد اكتشاف إدارة السحن حفر الخندق، تدخل حراس السجن الذين تمكنوا من إخلاء المبنى الرابع بشكلٍ كامل بعملية استمرت قرابة ثمان ساعات وسط انتشار كثيف للقوات الخاصة التابعة لـ “قسد” في محيط السجن لمسافة خمسة كيلومترات وتحليق طائرات التحالف الدولي فوقه، إلى أن تم نقل السجناء إلى مكان آخر إلى حين إعادة سد الخندق وترميم السجن.
الزنزانات تشبه معسكرات تدريب فكرية
ووفق معلومات خاصة من مصادر أمنية لـ “ملفات سوريا”، كان عناصر “داعش” ينظمون أنفسهم ضمن السجن وفق تسلسل تراتبي، وتوزيع المهام، وهو ما يُشير إلى أن خطر “الفكر الداعشي” لايزال قائماً، رغم عمل إدارة السجون على تنظيم برامج توعوية وتدريبية أسبوعية لهم، إلا أنهم كانوا يرفضون أي فكر آخر، بل نظموا صفوفهم داخل السجن وفق آلية معينة، ويشرف منْ يصفون أنفسهم بالقادة على تشكيل لجانهم التدريبية والطبية والعسكرية وغيرها داخل المهاجع من جديد.
يحتوي سجن غويران على قرابة 7000 عنصر من “داعش”، ينتمون إلى 70 دولة أجنبية، بينهم 100 طفل، وهم الفئة الأخطر على الإطلاق على حد تعبير القاضية في محكمة “الدفاع عن الشعب” المختصة بقضايا الإرهاب (محكمة شكلتها “الإدارة الذاتية” للبت بقضايا الإرهاب)، ولا نستطيع كشف اسمها لضرورات أمنية.
ويشهد هذا السجن بشكل متواصل عمليات شغب واستعصاء من قبل عناصر التنظيم، في مساعٍ منهم لتحقيق مطالبهم والتي تتلخص حسب القاضية: “إما بتسليمهم إلى الانتربول الدولي، أو تسليمهم لعوائلهم والرجوع إلى بلدنهم أو إجراء محاكمات مستعجلة بحقهم”.
يرفض توكيل محامي للدفاع عنه، ويوكل الله
ولعل حالة “محمد خليل حسن” السوري الأصل، المنتسب إلى تنظيم “داعش” عام 2014، المعتقل خلال معركة الباغوز بداية العام الماضي التي أطلقتها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، خير مثال على ما سبق سرده من تمسك عناصر داعش بفكرهم المتشدد.
- هل تريد أن توكل محاميا؟ “لا، لا أرغب”، لماذا؟!، “لأن الله هو الحامي الوحيد ولا نؤمن سوى بحكمه”.
- كنت عنصر في “داعش” أليس كذلك؟، “بل كنت قائدا بارزا في التنظيم ولست عنصرا عاديا”.
بهذا الشكل رد “محمد” على أسئلة القاضية المسؤولة عن محاكمة عناصر “داعش” السوريين في سجون “قسد” في الحسكة، أثناء جلسة محاكمته.
إلا أن مسألة محاكمة عناصر التنظيم ذوو الجنسيات الأجنبية والبالغ عددهم 7000 عنصر، لا تزال عالقة، لأن المحكمة معنية بمقاضاة الإرهابيين السوريين فقط، والذي وصل عددهم إلى 1880 عنصراً.
ووجهت اللجنة القانونية في المحكمة مراراً نداءً إلى المجتمع الدولي، مطالبةً بإنشاء محكمة دولية خاصة بالعناصر الأجانب لتنظيم “داعش”، لكن إلى الآن لم تتلق اللجنة أي رد.
ويحاكم البالغين وتحديد عقوبتهم أمام محكمة الدفاع عن الشعب، أما القاصرين فتتم محاكمتهم تبعاً لقانون خاص بهم مع مراعاة المبادئ والمواثيق الدولية المتعلقة بحق الدفاع، وذلك بعد البحث في الأدلة والوقائع المتوفرة بين أيدي القضاء إثباتاً للجرم المنسوب للمتهم وفق الجرائم المنصوص عليها بالقانون كجرم الانتساب إلى منظمة إرهابية، وجرم دعم وتمويل الإرهاب، وجرم إدلاء المعلومات، وجرم القتال وحمل السلاح.
وتصل العقوبات للمتهمين بالسجن لمدة 20 عاماً ويمكن أن تشدد إلى المؤبد، وفقا لعدم وجود عقوبة الإعدام في نظام وقوانين محاكم “الإدارة الذاتية”.
عند صدور الحكم من محكمة الدرجة الأولى، يجوز للمحكوم، إذا رأى أن الحكم لم يكن عادلاً أن يطعن به أمام محكمة الاستئناف، ويجوز أيضاً للنيابة العامة إذا رأت أن الحكم خفيف، أن تطالب بعقوبة أشد تبعاً للجرم المنسوب للمتهم.
نسبة المتعاونين مع برامج التأهيل ضئيلة
وعن القوانين السارية في محاكم وأنظمة سجون “الإدارة الذاتية” تقول القاضية “إن العقوبة في النظام العدلي ليست بمثابة عقوبة جزائية إنما تكون بمثابة عملية تأهيلية لفكر هؤلاء العناصر، ويتم تأهيلهم عبر تنظيم برامج توعوية أسبوعية وإلقاء المحاضرات وعرض أفلام عن الحياة المدنية”.
وتقدر القاضية المطلعة على سير العملية التأهيلية أيضاً، نسبة المتجاوبين مع برامج التدريب والتوعوية هذه، بالقليلة، “القليل منهم كانوا على استعداد بعد خروجهم من السجن أن يندمجوا في الحياة المدنية، و”الغالبية” مازالوا متمسكين بأفكارهم “الداعشية”، ومتطرفين بهذا الفكر ويحدثون بشكل مستمر أعمال شغب في مراكز احتجازهم”.
ما هي هيكلية المحكمة؟
تأسست محكمة “الدفاع عن الشعب” تبعاً للأصول القانونية العامة المعتمدة في الأنظمة القضائية، وتتألف الهيكلية من النيابة العامة المؤلفة من سبع قضاة، ومحكمة درجة أولى مؤلفة من ثلاثة قضاة، واخيراً محكمة الاستئناف تكون أحكامها مبرمة وفيها ثلاثة قضاة.
عند صدور الحكم من محكمة الدرجة الأولى، يجوز للمحكوم، إذا رأى أن الحكم لم يكن عادلاً أن يطعن به أمام محكمة الاستئناف، ويجوز أيضاً للنيابة العامة إذا رأت أن الحكم خفيف، أن تطالب بعقوبة أشد تبعاً للجرم المنسوب للمتهم.
ميزانية هائلة تصرف على سجون “داعش”
وتتحمل قوات سوريا الديمقراطية و”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا وحدها مسؤولية حراسة 11 ألف عنصر “داعشي” ممن يتواجد في سجونها، إضافة إلى تولي أعبائهم الحياتية الأخرى كالمأكل والمشرب وأخرى طبية كتدابير احتياطية لمنع انتشار وباء كورونا في السجون، وتبلغ المصاريف المالية المخصصة لهذه السجون مجتمعة بـ 70 ألف دولار يومياً، وهو ما يعادل المبلغ الذي خصصه التحالف الدولي لمرة واحدة منذ انتهاء التنظيم في سوريا.
ويتوزع هذا العدد الكبير من عناصر التنظيم في سجون عدة في مناطق “الإدارة الذاتية”، منه سجن غويران والسجن المركزي في الحسكة، وسجن ديريك المركزي وسجن علايا في القامشلي.