أحمد علي – (ملفات سوريا)
علمت إيران أن سقوط بشار الأسد، يعني انتهاء حلمها في إنشاء الهلال الشيعي الذي يبدأ من إيران مروراً بالعراق فسوريا ومن ثمَّ لبنان، وحتى وبعد بدء تدخلها في سوريا، وجدت أنَّ هناك عائقاً كبيراً لهذا المشروع “الحلم” يتمثل بالمذهب السني لعشائر ديرالزور، وعلاقات القرابة المتينة مع العشائر العربية السنية في العراق وحتى السعودية، لذا انتهجت إيران سياسة خاصة “مذهبية ومادية وسلطوية” في هذه المنطقة لتتمكن من تثبيت أقدامها فيها، مستفيدة من العديد من العوامل التي أثرت في منطقة دير الزور قبل وبعد الثورة السورية.
فما هي أهم العوامل التي ساعدت إيران على التغلغل في منطقة دير الزور؟
1-الفقر بسبب سياسات الحكومة السورية
يقول المدرس إبراهيم العبد وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي لـ “ملفات سوريا”: “بدأت إيران في أواخر عام 2017 في اتباع سياسات نشر التشيّع في دير الزور وريفها، وأنشأت لهذا الغرض عددا من الحسينيات التي يديرها ويشرف عليها شيوخ دين شيعة من الجنسية الإيرانية، بالإضافة إلى فتح مكاتب خاصة بالانتساب إلى المليشيات العسكرية الإيرانية أو المليشيات المحلية الموالية لها، مستغلين فقر وحاجة الأهالي المادية، لجذبهم إلى التشيع أو الانتساب للميليشيات مقابل تقديم رواتب شهرية لكل عائلة تعتنق المذهب الشيعي، أو تقديم المعونات لهم عبر مؤسسة (جهاد البناء) التابعة للحرس الثوري الإيراني”.
انضم البعض للميليشيات الإيرانية بهدف الخلاص من ظلم “داعش”، وآخرون انضموا لتلك الميليشيات ليحافظوا على حياتهم ويحموا أنفسهم من الاعتقال من قبل الحكومة السورية التي كانت تنظر إلى كل من كان يعيش في هذه المناطق على أنهم “دواعش”.
2-الظلم الذي مارسه داعش والبحث عن الأمان
عبد الرزاق الخضر أحد الناجين من المجزرة قال لـ “ملفات سوريا” بعد سيطرة الجيش السوري والمليشيات الإيرانية المساندة لها، بغطاء جوي من الطيران الحربي الروسي، على الضفة الجنوبية الشرقية لنهر الفرات، وعدد من البلدات شمالي النهر في محافظة ديرالزور، وجدت إيران فرصة لجذبهم وإجبارهم على التشيع أو الانضمام لميليشياتها مستغلةً حاجة الأهالي للعودة إلى أراضيهم وبيوتهم.
وبحسب الخضر انضم البعض للميليشيات الإيرانية بهدف الخلاص من ظلم “داعش”، وآخرون انضموا لتلك الميليشيات ليحافظوا على حياتهم ويحموا أنفسهم من الاعتقال من قبل الحكومة السورية التي كانت تنظر إلى كل من كان يعيش في هذه المناطق على أنهم “دواعش”.
3-تعاون بعض الشخصيات العشائرية من المنطقة
وأضاف المدرس إبراهيم العبد أن إيران استخدمت شخصيات قيادية ووجهاء عشائر محليين لتنفيذ أجنداتها، ومن أبرزهم حسين الرجا، وولده عضو مجلس الشعب السوري محمد أمين، ونواف البشير شيخ قبيلة البقارة الذي عاد إلى سوريا قبل مدة وأعلن ولاءه للحكومة السورية بعد وساطة إيرانية”.
ونوه العبد إلى أن البشير ومنذ “إعلان توبته” والعودة إلى سوريا مطلع 2017 بدأ بجذب أبناء قبيلة البقارة لاعتناق المذهب الشيعي، والقتال إلى جانب الحكومة السورية والميليشيات الإيرانية، بحجة أن القبيلة ترتبط تاريخياً بنسب “محمد الباقر”، من آل بيت النبي محمد.
ما هي الأساليب التي تتبعها إيران لنشر التشيع والتغيير الديمغرافي؟
1-بناء الحسينيات والمزارات الشيعية
عمدت إيران لبناء مراقد حديثة والترويج لها على أنها ذات قدسية وجلبت الحجاج الإيرانيين إليها لتكسبها القيمة الروحية، ومنها مزار “نبع عين علي”.
وحول تاريخ هذا المزار وحقيقته قال أحد خريجي كلية الآثار والمتاحف من أبناء دير الزور الذي فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية لـ “ملفات سوريا” إن إيران عمدت إلى تزوير حقيقة مواقع أثرية، وربطتها بالتراث الشيعي، كما حدث في مدينة القورية في ريف ديرالزور الشرقي، حيث قامت حركة النجباء الإيرانية ببناء حسينية فوق نبع ماء “عين علي” المجاور للمدينة بحجة إعادة بناء ما دمره تنظيم “داعش”، مُدّعية أنه موقع جلوس ناقة الإمام علي بن أبي طالب، والتي شهدت مؤخراً زيارة عدد من الحجيج الإيرانيين إليها وتبركهم بطينها.
وفي وقت لاحق، سلمّت إيران وكلاء محليين من “المتشيعين” من أبناء قرية حطلة إدارة هذا المزار “النبع المقدّس”، ليكون نقطة ارتكاز لها في هذه المنطقة التي تشكل بوابة العراق على سوريا.
إيران بدأت بتغيير ديمغرافية المنطقة عبر منح وإسكان مقاتلي الميليشيات الإيرانية وعوائلهم، أو المتشيعين في عقارات استولت عليها أو قامت بشرائها بأسعار رخيصة، ومنعت أهالي المنطقة النازحين من العودة إلى ديارهم إلا إذا أعلنوا تشيعهم أو انضموا إلى الميليشيات.
2- افتتاح المراكز الثقافية والمشافي
ولفت خريج الآثار والمتاحف إلى أنه لجعل ولاء أطفال المنطقة لإيران واتباع المذهب الشيعي، افتتحت إيران مؤخراً “المركز الثقافي الإيراني” بوسط مدينة دير الزور، والذي أعلن عن قبوله تسجيل الطلاب الراغبين في الدراسة في إيران.
كما افتتحت جمعية “جهاد البناء” مشفى ميداني خيري في حي القصور في مدينة دير الزور، حيث يقدم خدمات طبية ممتازة مقارنة بالمشافي والمراكز الصحية التابعة للحكومة السورية.
3-شراء العقارات عبر شبكة من السماسرة
أكد المدرس إبراهيم العبد لـ “ملفات سوريا” أن إيران بدأت بتغيير ديمغرافية المنطقة عبر منح وإسكان مقاتلي الميليشيات الإيرانية وعوائلهم، أو المتشيعين في عقارات استولت عليها أو قامت بشرائها بأسعار رخيصة، ومنعت أهالي المنطقة النازحين من العودة إلى ديارهم إلا إذا أعلنوا تشيعهم أو انضموا إلى الميليشيات.
فيما يرى مراقبون أن إيران ترغب عبر سياسات التغيير الديموغرافي وحملات التشييع في محافظة دير الزور وإنشاء أكبر عدد من الحسينيات والأضرحة والمقامات الوهمية، لضمان الإبقاء على وجودها في سوريا وبقاء بوابة ديرالزور مفتوحة أمامها خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد الضغوطات الأمريكية المتزايدة لإخراجها من سوريا.