Featured

“ملفات سوريا” توثق انسحاب إيران من ريف حلب.. وتوازنات قوى أستانا

مزكين غورسيه (ريف حلب)

كشفت جولة ميدانية لـ”ملفات سوريا” في ريف حلب الشمالي أن الميليشيات الإيرانية في بلدة حربل المقابلة لمدينة “مارع” بدأت بالانسحاب التدريجي وتخفيض عدد قواتها من المنطقة الممتدة من ريف مدينة الباب وصولاً لـ “تل رفعت” وبعض قرى ريف عفرين الجنوبي التي يسيطر عليها الجيش السوري.

وشهدت المنطقة متغيرات في خارطة السيطرة على الأرض، حيث دخل الجيش السوري إلى المنطقة الممتدة من ريف الباب إلى تل رفعت وريف عفرين الجنوبي في آذار (مارس) 2018 بعد الاجتياح التركي لعفرين حيث كانت تسيطر “وحدات حماية الشعب” بموجب ضوء أخضر روسي، وعلى مدار عامين ونصف تقاسم الجيش السوري والمليشيات المحلية الموالية لإيران السيطرة الفعلية على هذه المنطقة المتاخمة لبلدتي نبل والزهراء ذات النفوذ الإيراني، في حين انسحبت روسيا من مقرها في كفرجنة مع بدء الاجتياح التركي لعفرين لتتمركز في قرية كشتعار المتاخمة لإعزاز، فيما تركزت عدد من النقاط التابعة لإيران في ريف حلب الشمالي، إذ ويعتبر “فوج الرسول الأعظم” بقيادة حجي الرسول المنحدر من بلدة نبل الشيعية أكثر التشكيلات العاملة في ريف حلب.

وقالت مصادر خاصة لـ “ملفات سوريا” إن تعداد القوات الموالية لإيران انخفض كثيراً وبات اليوم يقتصر على عدد من المستشارين المرافقين لضباط النظام، ولفت المصدر إلى أن الاسلحة الثقيلة التي جلبتها “فوج الرسول” قبل عامين للمنطقة لا تزال متمركزة في بعض النقاط، ولم يتم سحبها ويشرف ضباط من الجيش السوري عليها في الوقت الراهن.

مدينة الشهباء (خاص)

وتشكل بلدتي نبل والزهراء المركز الرئيسي للوجود الإيراني في ريف حلب الشمالي، ويتركز انتشار قواتها في قرى محيطة بهذه البلدتين “مرعناز، كوندي مازن، كلوتا وباشمرة”، ويقتصر وجود النظام فيه شكلياً فقط، وتأزمت العلاقة بين النظام وأهالي نبل والزهراء في الآونة الأخيرة، إذ تعرض قبل نحو شهرين عناصر من الميلشيات الإيرانية لكمين من قبل النظام على الطريق الواصل بين بلدة نبل وقرية صوغاناكة، أثناء قيامهم بعمليات تهريب الأشخاص، وقتل على إثره 3 عناصر من الميليشيات الإيرانية، وردت بدورها الميلشيات باعتقال 25 عنصراً من الجيش السوري وحجزتهم داخل بلدة نبل، إلى أن تم التوافق على نقاط محددة تفضي بعدم تدخل قوات النظام في شؤون البلدتين.

ومن المعروف أن ميلشيات محلية من فوج ما يسمى “الرسول ولواء القدس التابع لحزب الله اللبناني” تعمل على نطاق واسع في عمليات التهريب بين سوريا ولبنان وبين المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري والفصائل المعارضة المقربة من تركيا، وبرز دورها بعد الاجتياح التركي إلى عفرين واليوم تنشط حركة تهريب للبشر والمواد بين نبل وعفرين.

وبالمقابل تزايد نفوذ هذه المليشيات المحلية الموالية لإيران في الريف الغربي من حلب، بعد سيطرة الجيش السوري عليها صيف 2019، وساهمت هذه المليشيات بشكلٍ كبير في معارك السيطرة على سراقب، ولها اليوم نقاط عدة في بلدات عندان وحيان والليرمون ومحيط سراقب، إضافة لنقاط تمركز بمحيط سجن حلب المركزي في منطقة المسلمية.

بالتوازي مع تغير الميلشيات المحلية الموالية لإيران وتوزع قواتها البرية، كثف الجيش السوري من تواجده على الجبهات الممتدة من ريف مدينة منبج وصولاً لتل رفعت وقرى ريف عفرين الشرقي الجنوبي، بينما دخل الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية إلى منطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي بعد الاجتياح التركي لعفرين، بموجب اتفاق مع وحدات حماية الشعب وجيش الثوار الذي كان يسيطر على تلك المنطقة وانسحبت الأخيرة في نيسان 2018 إلى منبج والرقة.

وتتمركز القوات الروسية في هذه المنطقة ضمن أربع نقاط أساسية لها وترتبط هذه النقاط العسكرية بمطار حميميم بشكلٍ مباشر، وتقدم القوات الروسية نفسها على أنها “القوة الضامنة” في المنطقة وتسير دوريات عسكرية في القرى التي تقع على خط التماس أحياناً.

دورية روسية في مدينة الشهباء بريف حلب (خاص)

وتعد نقطة “تل رفعت” واحدة من أهم النقاط الروسية نظراً لكونها تطل على قرية كلجبرين وبلدة مارع الواقعتان تحت سيطرة الفصائل المسلحة المقربة من تركيا.

وتتمركز أيضاً في نقطة بقرية “كشتعار” المتاخمة لبلدة إعزاز والواقعة على طريق غازي عنتاب – حلب الدولي، وتُشير مصادر خاصة لـ “ملفات سوريا” أن هذه النقطة تعتبر قاعدة عسكرية للتنسيق مع الجيش السوري في شمالي حلب والمليشيات الإيرانية، إضافة للتنسيق مع بعض المجموعات الكردية التي لا تظهر بشكلٍ مباشر في تلك المنطقة.

وتعتبر هذه النقطة مركز تنصت ومراقبة لاسلكية متقدمة على محور “عفرين-اعزاز، ولا يسمح للمتعاونين المدنيين الاقتراب منها مهما كانت الأسباب.

كما تستخدم الشرطة العسكرية الروسية نقاطها في قريتي “الوحشية” و”الجوبه”، كمراكز عسكرية ذات طابع دبلوماسي، وتحاول بين الحين والآخر توزيع المواد الإغاثية والتودد للأهالي “نازحوا عفرين المقيمين في الشهباء وأهالي الشهباء”، وأكدت المصادر أنَّ القوات الروسية تزود نقاطها العسكرية بعدد محدود من الجنود لا يتجاوز عددهم 35 جندي في كل نقطة، وهذه النقاط مزودة بمدرعات وعربات تشويش ومعدات للاتصالات، ويقتصر دور الجيش السوري على الحماية بالتعاون مع الجنود الروس، مع وجود ضابط للتنسيق في كل نقطة.

نقطة عسكرية في مدينة الشهباء (خاص)

وفي الطرف المقابل، تُسيطر تركيا على الشمال السوري، عبر الفصائل المسلحة الموالية لها، حيث تفرض روسيا وتركيا نوعاً من وقف إطلاق النار الضمني على طول خطوط التماس في ريفي حلب الشرقي والشمالي، إذ لا تدخل هذه المنطقة ضمن اتفاقية أستانا، بل كان التدخل التركي فيها بشكلٍ فردي ومباشر، وسط تنسيق عالي المستوى على الاتصالات بين تركيا وروسيا، حيث تحكم الاتفاقيات المتبادلة بين الطرفين وقف التصعيد العسكري في هذه الجبهات، ذلك أن خطوط التحرك العسكري في هذه المنطقة محكومة لتوافقات ضمنية بين تركيا وروسيا وإيران، رغم عدم وجود اتفاقيات رسمية، لكنها محكومة لمصالح اقتصادية وزيادة رقعة النفوذ في مناطق سورية أخرى كإدلب وشرقي الفرات.

وتكمن أهمية هذه المنطقة وخاصة تل رفعت بالنسبة لتركيا في أنه يمر عبرها الطريق الدولي الواصل بين غازي عنتاب وحلب، أما إيران فتعد هذه المنطقة بالنسبة إليها كالدرع الحامي لبلدتي نبل والزهراء الشيعتين، وروسيا والنظام يحاولان من خلالها حماية مدينة حلب الاستراتيجية.

مدينة الشهباء (خاص)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى