كتّاب ومقالات

العلم والشرعية.. وخيار الشعب

أديب الشيشكلي

خضعت قصة العلم السوري لمراحل متعددة طوال العقود الماضية منذ الاستقلال، حيث مر هذا العلم بعمليات إلغاء وإقصاء أغلبيتها ذات طابع سياسي حزبي لا ينتمي إلى الوطنية والشرعية الدستورية، إلى أن قررت ثورة الكرامة والحرية في آذار العام 2011 استعادة قرار الشعب حتى في اختيار علمه.

في الدستور السوري الذي صاغته الجمعية الوطنية التأسيسية السوري، التي تمثل حقيقة الشعب السوري آنذاك، وصفت المادة السادسة من هذا الدستور العلم السوري “بطوله وعرضه وألوانه الثلاثة المتساوية أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، ويحتوي القسم الأبيض في خط مستقيم على ثلاثة كواكب حمر خماسية الأشعة”

في تلك الفترة صاغت الجمعية التأسيسية دستورا عرض على مجلس النواب، وحظي بإجماع الشعب السوري، ويعتبر هذا الدستور أهم الدساتير السورية، حيث جرى الاطلاع على معظم الدساتير في العالم؛ لتكون الخلاصة دستور سوري لا يزال إلى الآن يشكل الحالة الشرعية الدستورية للسوريين.

وكان هذا العلم الأول من نوعه الذي يمثل الشرعية الدستورية المنبثقة عن الشعب وليس الأحزاب، ومن هنا كان الدستور السوري، أول عملية شرعية تمر عبر مؤسسات الشعب، وليس عبر صناعات تعسفية.

بعد أن تسلم البعثيون السلطة في العام 1963 كان أول ما تم استهدافه العلم السوري، وهذا كان بمثابة استهداف رمز الشرعية الدستورية السورية

في العام 1958 تمت الوحدة بين سوريا ومصر، وحينها قام الرئيس المصري جمال عبدالناصر بإلغاء أول علم شرعي دستوري يمثل الشعب السوري بكل أطيافه، وساد علم الجمهورية العربية المتحدة، لم تعمر هذه الوحدة طويلا ليأتي الانفصال في العام 1961 ويعود العلم السوري الشرعي إلى سوريا، وعلى الرغم من أن هذا العلم الوحيد الذي يمثل الحالة الشرعية الدستورية السورية، إلا أن البعض من العروبيين القومجيين كانوا يرون فيه علم الانفصال وهنا تكمن المفارقة، أن يكون العلم الدستوري هو علم الانفصال.

بعد أن تسلم البعثيون السلطة في العام 1963 كان أول ما تم استهدافه العلم السوري، وهذا كان بمثابة استهداف رمز الشرعية الدستورية السورية، وجاؤوا بالعلم الذي لا يزال يمثل النظام دون استشارة الشعب، فالرسالة كانت واضحة وهي عزل سوريا عن تاريخها وعمقها الدستوري، وبقي هذا العلم إلى عام 2011، حيث أعادت الثورة السورية علم الاستقلال والجمعية التأسيسية.

هيمن حزب البعث طوال السنوات الماضية على كل مناحي الحياة وأصبح قائد الدولة والمجتمع كما في نص المادة الثامنة، وعمل جاهدا على عزل السوريين عن إرثهم الدستوري والحضاري ليكرس فقط أيديولوجيته على حساب الشعب وتاريخه الأصيل في المشاركة بالحياة السياسية.

إن نضال الشعوب هو من يحدد خياراتها، فالخيار الوطني الشعبي هو الأكثر صدقا من بقية الخيارات الحزبية، وطوال السنوات الماضية كان حزب البعث الحاكم هو من يحدد خيارات الشعب السوري ويستولي على كل إمكانات هذا الشعب، لكن لحظة الثورة في العام 2011 حطمت سطوة حزب البعث الذي بقي مغتصبا للسلطة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ليعلن الشعب السوري خياراته الوطنية وينسف منظومة الخداع التي أسسها حزب البعث واحتال بها على الشعب السوري.. ويختار علم العودة إلى الاستقلال الأول من أجل نقطة بداية جديدة.

الخلاصة؛ أن علم الثورة اليوم هو العلم الشرعي الوحيد في سوريا، وهو اللون الذي أجمع عليه كل الشعب السوري في دستور العام 1950، أما ما تبقى من رايات فهي لا تمثل سوريا بشكلها الجماهيري الشعبي والدستوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى