تحقيق لـ”ملفات سوريا”: الجامعات تجارة “مواد” بحماية حزب البعث
جوليا العبد (دمشق)
تعاني الجامعات السورية، من عدة أزمات قد لا يكون أولها، وصولها إلى مرحلة عدم الاعتراف الدولي بشهاداتها إذا ما استمرت هذه الأزمات، ولا آخرها ظاهرة بيع المواد للطلاب، فالجامعات السورية، أصبحت بمناهجها بعيدة كل البعد عن التطورات العلمية المتسارعة، والتي لم تتمكن حتى اللحظة من تخطي هذه العقبة، ليس بسبب عدم تحديث المناهج فقط، بل لعدم إيفاد الأساتذة ومشاركتهم أيضاً في المؤتمرات العلمية العالمية التي تجري بشكل دوري وسنوي.
وهذا كله دفع العديد من الطلاب والأساتذة الجامعيين خلال الفترة الماضية بتداول غياب الجامعات السورية عن التصنيفات العالمية، وذلك بسبب ما أكدوا أنه يعود إلى هجرة العديد من الأساتذة الجامعيين، وانخفاض أعداد الكوادر التدريسية، وانعدام المنشورات العالمية للباحثين في الجامعة في قواعد البيانات العالمية مثل “سكوبوس وويب أوف سينس”، فالجامعات السورية ومنذ أعوام خارج تصنيف “شانغهاي والتايمز وQS” إنما ينحصر وجودها فقط في تصنيف “ويبومتركس”، الذي يصنف الجامعات اعتمادا على حضورها الإلكتروني فقط، والذي لا يعكس سوية العملية التدريسية أو البحثية في الجامعة.
ويقول أحد الأساتذة الجامعيين الذي رفض ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية، لـ “ملفات سوريا” إنَّ انعدام صدور أبحاث علمية عن الجامعات السورية، هي آخر ما يمكن أن نتحدث عنه، في ظل انتشار الفساد داخل الجامعة، من خلال ما بات يوصف بـ “بازار المواد”، حيث يعمد العديد من الأساتذة الجامعيين إلى بيع أسئلة المواد لمكتبات محددة لقاء نسبة يتلقونها من البيع، بالإضافة إلى رفع علامة الطالب تبعاً للمبلغ المدفوع، وصار لكل أستاذ جامعي سعر محدد، وأضاف، أنَّ هذا الموضوع ليس بجديد بل عمره يتعدى عشرات السنين، إلا أنَّه كان على نطاق ضيق، ويتم في الغرف المظلمة، خوفاً من انكشافه، لأنه سيتسبب بطرد الأستاذ المتهم إن تمت إدانته.
واتهم الأستاذ في جامعة دمشق إدارة الجامعات بالتعاون مع شعبة الحزب بالمساهمة في انتشار ظاهرة بيع المواد، وذلك عبر قرار “تسوية” كما وصفه، من خلال دفع الأستاذ المرتشي نسبة من الأموال التي يحصل عليها لقاء مساعدة الطلاب في رفع علاماتهم للشعبة
وقال إنه في حالة الإثبات على فساد الأستاذ وإحالته إلى مجلس التأديب فالأمر يحل بدفعه مبلغاً لا يتجاوز نصف ما يربحه من عملية بيع الأسئلة، أو تحسين علامات طالب لا يستحق النجاح، ليعود الأستاذ نظيف السجل لممارسة عمله الأكاديمي بشكل طبيعي، ويضيف: نحن نعرف مستوى الطلاب ومن يحضر ومن لا تطأ قدميه الحرم الجامعي، ونتفاجأ في كل عام بمعدلات عالية لهؤلاء الذين لم نشاهدهم طوال العام.
ويعاني الطلاب في سوريا خلال حياتهم الجامعية من عدة صعوبات وعقبات، تبدأ بنظام المفاضلة المعتمد على القبول بناءً على تجميع العلامات وليس على ميول الطلاب وقدراته، ولا تنتهي بمجرد قبوله لدراسة الفرع ومحاولته النجاح.
وتروي إحدى الطالبات في فرع العلوم الطبيعية في جامعة دمشق التي رفضت ذكر اسمها لـ “ملفات سوريا” أنها لم تكن تتخيل أن تدرس هذا الفرع في حياتها، وقد عانت في البداية بتقبل الواقع الذي فرضته عليها المفاضلة، وبعد اطلاعها على مواد الفرع والاختصاصات داخله بدأت تتأقلم معه وتدرس بجد لتحقيق تميز فيه.
وتقول الطالبة: بعد اجتيازي للسنة الأولى وتعرفي على المواد والدكاترة في الفرع أصبح القدوم للجامعة عبء نفسي كبير، وذلك بسبب التحرش الواضح من قبل أحد المدرسين، حيث طلب مني الصعود إلى مكتبه عدة مرات وفي كل مرة لم يكن هناك ما يتطلب استدعائي، إلى جانب محاولاته الدائمة ملامستي، وعندما أبديت انزعاجي من الأمر، قام بالصراخ في وجهي ووصفني بالمنعزلة والمعقدة، لم يكتف بذلك بل تفاجأت برسوبي بالمادة التي يدرسها رغم تحضيري الجيد للامتحان.
وأضافت أنه لا يقف أمر النجاح في المقررات العلمية في الجامعة على الابتزاز غير الأخلاقي الذي يمارسه البعض ممن يفترض أن يكونوا قدوة، بل يتعدى ذلك إلى العلاقات الشخصية والواسطات والمحسوبيات، إلى جانب شبكات تزوير ومتاجرة بعلامات الطلاب، تتكون من طلبة وموظفين ودكاترة جامعيين، ومجموعة قرارات غير قانونية تجد طريقها لحماية من هم فوق القانون.
ويشتكي الطلاب الجامعيون في كل عام من تدني نسبة النجاح في بعض المواد، التي قد لا تتجاوز ال 10%، وهي نسبة تخالف القرار الذي تنص عليه الجامعة بأن لا تتجاوز نسبة الرسوب في أي مادة 20%.
وقال الطالب علاء الذي يدرس في أحد فروع جامعة البعث لـ “ملفات سوريا” إن المواد ذات نسب النجاح المتدنية هي غالباً ما تكون مواد ذات أسئلة تقليدية غير مؤتمتة، ويضيف رسبت في مادة وبعد مراجعتي الأستاذ المشرف على المادة أرسلني إلى المعيد ليخبرني الأخير صراحةً ومن دون خجل أنه يتوجب علي دفع المال، أو سيتوقف تخرجي عليها، إذ إن الأستاذ الجامعي لا يورط نفسه في إبرام هذه الصفقة
أما إلياس المتخرج من كلية الحقوق أخبرنا متفاخراً كيف نجح في إحدى المواد دون دراسة، وأنه تعرف على الدكتور الذي يدرس هذه المادة عندما دعاه إلى العشاء بحجة شكره على ما بذله معه في سنوات دراسته، وكانت مناسبة جيدة لشراء المادة ب 150 ألف ليرة سورية.
وترى تيماء وهي طالبة في قسم اللغة العربية أن نقص الكفاءة العلمية والرواتب المخزية التي يتقاضها الأساتذة الجامعيون، سهلت نزوع البعض نحو الفساد بشكل سلس، وتضيف: ربما ساهم نظام الامتحان المؤتمت في تخفيف مزاجية التصحيح والفساد فيه، إذ أن العملية الحاسوبية في التصحيح أسرع وأكثر مصداقية، ولا تسمح بوجود تجاوزات بعد تقديم المادة، لكنها لا تلغي التلاعب، حيث إن هناك العديد من المسترزقين من نشر الأسئلة المتوقعة قبل الامتحان، وهنا يتواطأ بعض الطلاب الذين يشكلون وساطة بين الأستاذ الجامعي والمكتبات التي تبيع الأسئلة وتحصل على نسبة من البيع، والمتبقي يعود لجيوب الأستاذ.
وبعد أن اعتمد نظام الأسئلة المؤتمتة في 90% من مواد الجامعة تعود الجامعة اليوم وفي كل عام بزيادة المواد ذات الأسئلة التقليدية، وتقول لنا إحدى موظفات شؤون الطلبة في كلية الإعلام إنه باب رزق للأساتذة، فهم لا يستطيعون القيام بدروس خصوصية، ولدينا العديد من المواد العملية التي تتحكم فيها مزاجية الأستاذ والعلاقات الشخصية في وضع العلامات.
لا شك أن عالم السوشل ميديا ساهم في فضح الكثير من الممارسات الابتزازية، حيث نشرت إحدى الطالبات على موقع فيس بوك رسائل التحرش والابتزاز المادي، وهي عبارة عن محادثات “واتس أب” بينها وبين الدكتور الجامعي، أصبح المتحرشون والمبتزون أكثر حذراً، رغم أن تصرف إدارة الجامعة طردت الطالبة من الجامعة بدل معاقبة المبتز بحجة التشهير وانتقاد نظام الجامعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
لذلك فإن موضوع الشكوى والفضح العلني للممارسات غير الأخلاقية وغير الأكاديمية أصبح يهدد الطلاب الجامعين فعكفوا عن الشكوى، حتى لا ينتهوا بمصير مشابه، ناهيك عن البحوث ورسائل الماجستير والدكتوراه التي تباع لطلبة الدراسات العليا، وهناك من يعتاش من الخريجين والأساتذة الجامعيين على بيعها ولم يعد الأمر مخجلاً أو مستتراً الآن.
تراجع تصنيف الجامعات السورية عالمياً في السنوات الأخيرة، وأصبحت المعايير الأكاديمية والإنجاز البحثي العلمي هي آخر اهتمام وزارة التعليم العالي مع انتشار الفساد بشكل غير مسبوق داخل أروقتها، إلى جانب فقرها الكبير للمخابر، وخصوصاً في الأفرع العلمية، والمناهج القديمة التي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي أو بأفضل الأحوال إلى تسعينياتها، ومطالبة الطلاب بالاطلاع الفردي على هذه التطورات، من دون سعي الأساتذة الجامعيين إلى إدخالها للمنهاج، لأنهم يعتقدون أن ما يتقاضونه من رواتب “ضئيلة” لا يدفعهم إلى تطوير هذه المناهج لتواكب التطور العلمي الحاصل في كافة المجالات العلمية، وهذا مخالف لإضافة صفة “البحث العلمي” لوزارة التعليم العالي والذي أصبح اسمها حديثاً: “وزارة التعليم العالي والبحث العلمي”.